قال التوربشتي -فيما نقله عنه العلامة علي القاري فى " شرح المشكاة " ٤/٢٥١-: هذا الحديث مشكل جداً لمخالفته ما يدل على ظاهرِ التنزيل، ولما صحَّ من الأحاديث في أمر أسارى بدر أن أخذ الفداء كان رأياً رأوه، فعُوتبوا عليه، ولو كان هناك تخيير بوحي سماوي، لم تتوجه المعاتبةُ عليه، وقد قال الله تعالى: {ما كانَ لنبيٍّ أن يكون له أَسْرى} إلى قوله: {لَمسَّكم فيما أخذتُم عذابٌ عظيم} وأظهر لهم شأنَ العاقبة بقتل سبعينَ منهم بعد غزوةِ أحد عند نزول قولِه تعالى: {أَوَلمَّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها} وممن نُقل عنه هذا التأويل من الصحابة عليٌّ رضي الله عنه، فلعلَّ عليّاً ذكر هبوطَ جبريل في شأن نزولُ هذه الآية وبيانها، فاشتبه الأمرُ فيه على بعض الرواة، ومما جرَّأنا على هذا التقدير سوى ما ذكرناه: هو أن الحديثَ تفرد به يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان من بين أصحابه، فلم يروه غيره، والسمع قد يُخطىء، والنسيان كثيراً ما يطرأ على الإنسان، ثم إن الحديث روي عنه متصلاً وروي عن غيره مرسلاً، فكان ذلك مما يمنع القول لظاهره. قال الطيبي: أقول -وبالله التوفيق-: لا منافاة بين الحديث والآية، وذلك أن التخيير في الحديث وارد على سبيل الاختبار والامتحان، ولله أن يمتحن عباده بما شاء، امتحن الله تعالى أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله تعالي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ... } الآيتين وامتحن الناس بتعليم السحر في قوله تعالى: {وما يُعلِّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة} ، وامتحن الناس بالمَكلين، وجعل المحنة في الكفر والإيمان بأن يقل العامل تعلّم السحر فيكفر، ويؤمن بترك تعلمه، ولعل الله تعالى امتحن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه بين أمرين: القتل =