جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ هدي لسبل الرشاد ووفق لسلوك السداد في جمع وتشمر فِي جَمْعِ السُّنَنِ وَالْأَخْبَارِ وَتَفَقَّهَ فِي صَحِيحِ الْآثَارِ وَآثَرَ مَا يُقَرِّبُ إِلَى الْبَارِي جَلَّ وعلا من الأعمال على ما يباعد عنه في الأحوال إنه خير مسؤول.
ثم قال في آخر الكتاب فهذا آخر أنواع السنن قد فصلناها على حسب ما أصلنا الكتاب عليه من تقاسيمها وليس في الأنواع التي ذكرناها من أول الكتاب إلى لآخره نوع يستقصى لأنا لو ذكرنا كل نوع بما فيه من السنن لصار الكتاب أكثره معادا لأن كل نوع منها يدخل جوامعه في سائر الأنواع فاقتصرنا على ذكر الأنمى١ من كل نوع لنستدرك به ما وراءه منها وكشفنا عما أشكل من ألفاظها وفصلنا عما يجب أن يوقف على معانيها على حسب ما سهل الله ويسره وله الحمد على ذلك.
وقد تركنا من الأخبار المروية أخبار كثيرة من أجل ناقليها وإن كانت تلك الأخبار مشاهير تداولها الناس فمن أحب الوقوف على السبب الذي من أجله تركتها نظر في كتاب المجروحين من المحدثين من كتبنا يجد فيه التفصيل لكل شيخ تركنا حديثه ما يشفي صدره وينفي الريب عن خلده إن وفقه الله جل وعلا لذلك وطلب سلوك الصواب فيه دون متابعة النفس لشهواتها ومساعدته إياها في لذاتها.
وقد احتججنا في كتابنا هذا بجماعة قد قدح فيهم بعض أئمتنا فمن أحب الوقوف على تفصيل أسماءهم فلينظر في الكتاب المختصر من تاريخ
١ معناها: الأرفع والأظهر في معناه وبابه، يقال: نمى الحديث ينمي، أي: ارتفع، ونميته: أي رفعته، ولا يقال إلا في رفع الحديث بالخبر، ويستعمل رباعيه "أنمى" في رفع الحديث بالشر على وجه الإشاعة والنميمة.