وقوله: "وصرفت الطرق" قال الحافظ: أي بنيت مصارف الطرق وشوارعهان كأنه من التصرف أو من التعريف، وقال ابن مالك: معناه خلصت وبانت، وهو مشتق من الصرف بكسر الصاد، والخالص من كل شيء. وقال الإمام البغوي في "شرح السنة" ٨/٢٤١: اتفق أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك في الريع المنقسم إذا باع أحد الشركاء نصيبه قبل القسمة فللباقين أخذه بالشفعة بمثل الثمن الذي وقع عليه البيع إن باع بشيء متقوم من ثوب أن عبداً، فيأخذه بقيمة ما باعه به. وأختلفوا في ثوب الشفعة للجار، فذهب أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم إلى أن لاشفعة للجار، وأنها تختص بالمشاع دون المقسوم، هذا قول عمر وعثمان ربضي الله عنهما، وهو قول أهل المدينة سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور. وذهب قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى ثبوت الشفعة للجار، وهو قول الثوري، وابن المبارك وأصحاب الرأي غير أنهم قالوا: الشريك مقدم على الجار. واحتجوا بحديث أبي رافع المتقدم برقم "٥١٨٠": "الجار أحق بسقبه"، وبحديث جابر رفعه: "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا طريقهما واحداً". وأخرجه أبو داود "٣٥١٨"، والترمذي "١٣٦٩"، وابن ماجه "٢٤٩٤" من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر. وهذا سند قوي الراية وحسنه الترمبذي وقال صاحب "التنقيح" فيما نقله عنه الزيلعي في "نصب الراية" ٤/١٧٤: واعلم أن حديث عبد الملك بن أبي سليمان حديث صحيح، لا منافاة بينه وبين روايه جابر المشهورة، وهي "الشفعة في كل مالم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"، فإن في حديث عبد الملك "إذا كان طريقهما واحداً" وحديث جابر المشهور لم ينف فيه استحقاق الشفعة إلا بشرط تصرف الطرق، فنقول: إذا اشترك الجاران في النافع كالبئر، أو السطح، أو الطريق، فالجار أحق بصقب جاره، لحديث عبد الملكن وإذا لم يشتركا في شيء من النافع فلا شفعة لحديث، جابر المشهور، وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث، لايقدح فيه فإنه ثقة، وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، إنما كان حافظاً، وغير شعبة إنما طعن فيه تبعاً لشعبة، وقد احتج بعبد الملك مسلم في "صحيحه"، واستهشد به البخاري، ويشبه أن يكونا إنما لم يخرجا حديثه هذا لتفرده به، وإنكار الأئمة عليه فيه، وجعله بعضهم رأياً لعطاء أدرجه عبد الملك في الحديث، ووثقه أحمد والنسائي، وابن معين، والعجلي، وقال الخطيب: لقد أساء شعبة حيث حدث عن محمد بن عبيد الله والعرزمي، وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان، فإن العرزمي لم يختلف أهل الأثر في سقوط روايته، وعبد الملك ثناءهم عليه مستفيض، والله أعلم