فأجاز ابن مسعود ابتداءهم في السلام بالإشارة
لأنه ليس السلام الخاص بالمسلمين، فكذلك يقال في السلام عليهم بنحو ما ذكرنا
من الألفاظ.
وأما ما جاء في بعض كتب الحنابلة مثل " الدليل " أنه يحرم بداءتهم أيضا بـ
" كيف أصبحت أو أمسيت؟ " أو " كيف أنت أو حالك؟ " فلا أعلم له دليلا من السنة
بل قد صرح في شرحه " منار السبيل " أنه قيس على السلام! أقول: ولا يخفى أنه
قياس مع الفارق، لما في السلام من الفضائل التي لم ترد في غيره من الألفاظ
المذكورة. والله أعلم.
مسألة أخرى جرى البحث فيها في المجلس المشار إليه، وهي: هل يجوز أن يقال في
رد السلام على غير المسلم: وعليكم السلام؟ فأجبت بالجواز بشرط أن يكون سلامه
فصيحا بينا لا يلوي فيه لسانه، كما كان اليهود يفعلونه مع النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه بقولهم: السام عليكم. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
بإجابابتهم بـ " وعليكم " فقط، كما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث
عائشة. قلت: فالنظر في سبب هذا التشريع، يقتضي جواز الرد بالمثل عند تحقق
الشرط المذكور، وأيدت ذلك بأمرين اثنين:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: " إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول
: السام عليك، فقولوا: وعليك " أخرجه الشيخان، والبخاري أيضا في " الأدب
المفرد " (١١٠٦) . فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " فقولوا:
وعليك " بأنهم يقولون: السام عليك، فهذا التعليل يعطي أنهم إذا قالوا:
" السلام عليك " أن يرد عليهم بالمثل: " وعليك السلام "، ويؤيده الأمر
الآتي وهو: الثاني: عموم قوله تعالى * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها
أو ردوها) * فإنها بعمومها تشمل غير المسلمين أيضا.