"لا تخصوا..". فذكر الحديث موقوفًا على ابن سيرين كما ترى، وإسناده صحيح؛ ولكنه لا يعل به المرفوع مسندًا ومرسلًا؛ لما سبق ذكره أن زيادة الثقة مقبولة.
فأحببت أن أذكر هذا خشية أن يعثر عليه جاهل آخر بهذا العلم فيعل الحديث بهذا الموقوف كما أعله حسان بالإرسال!
وحقيقة الأمر؛ أنه لا غرابة في ورود الحديث على وجوه مختلفة؛ تارة مسندًا، وتارة مرسلًا، وتارة موقوفًا، والراوي واحد كابن سيرين هنا، وذلك لأنه قد ينشط الراوي أحيانًا فيسنده، وقد يرسله تارة اختصارًا، وقد لا ينشط فيذكره موقوفًا، وقد يكون السبب شعوره بأن الحديث معروف بالرفع فلا يرى ضرورة للتصريح برفعه، والعبرة في هذه الحالة المصير إلى الترجيح المسوغ للبت بأنه مرفوع مسند، أو مرفوع مرسل، أو موقوف، فإذا ترجح الأول لم ينافِه ما دونه لما ذكرت. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن مما يؤكد صحة الحديث وشهرته عند السلف ما رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم -وهو ابن يزيد النخعي- قال:
"كانوا يكرهون أن يخصوا يوم الجمعة والليلة كذلك بالصلاة".
ورجاله ثقات.
هذا؛ وبمناسبة ما ابتلينا به من كثرة الشباب وغيرهم الذين يكتبون في هذا العلم- وهم عنه غرباء مفلسون، كما يقطع بذلك كل منصف وقف على النماذج الكثيرة من الأوهام؛ بل والجهالات المتقدمة في هذه الاستدراكات، وفي المقدمة أيضًا في هذا المجلد وغيره (١) -فإني أرى لزامًا علي أن أذكر- و {الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} - فأقول:
إني أنصح أولئك الكاتبين والناقدين أن لا يتسرعوا بالكتابة -إن كانوا
(١) انظر مقدمة (المجلد الأول) من "السلسلة الضعيفة" الطبعة الجديدة، وقد صدرت حديثًا.