مخلصين- لمجرد أنهم ظنوا أنهم صاروا أهلًا لذلك، بل عليهم أن يتريثوا ويتمرسوا فيه زمنًا طويلًا؛ حتى يشعروا في قرارة نفوسهم أنهم صاروا علماء فيه، وذلك بأن يقابلوا نتائج كتاباتهم وتحقيقاتهم بأحكام من سبقنا من الحفاظ والنقاد في هذا العلم، فإذا غلب عليها موافقتهم كان ذلك مؤشرًا قد سلكوا سبيل المعرفة بهذا العلم.
هذا أولًا.
وثانيًا: أن مشهد لهم بذلك بعض أهل العلم الصالحين المعاصرين بعد أن يطلعوا على شيء من كتاباتهم وتحقيقاتهم، ذاكرين نصيحة الشاطبي المتقدمة (ص ٧١٣) ، فإنها صريحة في أنه من اتباع الهوى أن يشهد المرء لنفسه بأنه عالم! وأنا أقرب هذا لكل مخلص من طلاب العلم بلفت نظره إلى مثل قوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، فإنه يدل بفحوى الخطاب على أن المجتمع الإسلامي من حيث العلم والجهل قسمان: أهل الذكر -وهم العلماء بالقرآن والسنة وهم الأقلون- والذين لا يعلمون وهم الأكثرون، بنص القرآن وبحكم المشاهدة والواقع، فإذا علم هذا؛ فلينظر أولئك المشار إليهم هل هم من الأقلين أم من الأكثرين؟ وفي ظني أنهم سوف لا يجدون أنفسهم -إذا كانوا من المتقين- إلا من الأكثرين، وحينئذ عليهم أن يعودوا إلى رشدهم، ويتوبوا إلى ربهم من حشرهم أنفسهم في زمرة أهل الذكر، فإذا بدا لهم أنهم من هؤلاء؛ فعليهم أن يحتاطوا لدينهم وأن يسألوا أهل الذكر حقًا، فإن شهدوا لهم بذلك حمدوا الله وسألوه المزيد من علمه، وإلا فهم من المغرورين المعجبين بأنفسهم، الهالكين بشهادة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - القائل:"ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوىً متّبع، وإعجاب المرء بنفسه"(١) . كيف لا وهو القائل:"لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك؛ العُجْبَ العُجبَ"؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .
(١) سيأتي تخريجه برقم (١٨٠٢) ، والذي بعده مضى برقم (٦٥٨) ، ومن أراد الوقوف على آفات العجب ومصائبه وعلته وعلاجه فليرجع إلى كتاب "الإحياء" للغزالي، فإنه نافع في بابه.