كثرت فستجد الجواب عنها في كتب علمائنا إما عن عينها
أو مثلها.
قلت: فقد اعترفت ببقاء باب الاجتهاد مفتوحا ولا بد!
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لأنك اعترفت أن الجواب قد يكون عن مثلها، لا عن عينها وإذ الأمر كذلك،
فلابد من النظر في كون الحادثه في هذا العصر، هي مثل التي أجابوا عنها، وحين
ذلك فلا مناص من استعمال النظر والقياس وهو الدليل الرابع من أدلة الشرع،
وهذا معناه الاجتهاد بعينه لمن هو له أهل! فكيف تقولون بسد بابه؟ ! ويذكرني
هذا بحديث آخر جرى بيني وبين أحد المفتين شمال سورية، سألته: هل تصح الصلاة
في الطائرة؟ قال: نعم. قلت: هل تقول ذلك تقليدا أم اجتهادا؟ قال: ماذا
تعني؟ قلت: لا يخفى أن من أصولكم في الإفتاء، أنه لا يجوز الإفتاء باجتهاد،
بل اعتمادا على نص من إمام، فهل هناك نص بصحة الصلاة في الطائرة؟ قال: لا،
قلت: فكيف إذن خالفتم أصلكم هذا فأفتيتم دون نص؟ قال: قياسا.
قلت: ما هو المقيس عليه؟ قال: الصلاة في السفينة.
قلت: هذا حسن، ولكنك خالفت بذلك أصلا وفرعا، أما الأصل فما سبق ذكره،
وأما الفرع فقد ذكر الرافعي في شرحه أن المصلي لو صلى في أرجوحة غير معلقة
بالسقف ولا مدعمة بالأرض فصلاته باطلة. قال: لا علم لي بهذا.
قلت: فراجع الرافعي إذن لتعلم أن (فوق كل ذي علم عليم) ، فلو أنك تعترف أنك
من أهل القياس والاجتهاد وأنه يجوز لك ذلك ولو في حدود المذهب فقط، لكانت
النتيجة أن الصلاة في الطائرة باطلة لأنها هي التي يتحقق فيها ما ذكره الرافعي
من الفرضية الخيالية يومئذ. أما نحن فنرى أن الصلاة في الطائرة صحيحة لا شك في
ذلك، ولئن كان السبب في صحة الصلاة في السفينة أنها مدعمة بالماء بينها وبين
الأرض، فالطائرة أيضا مدعمة بالهواء بينها وبين الأرض. وهذا هو الذي بدا
لكم في أول الأمر حين بحثتم استقلالا، ولكنكم لما علمتم بذلك الفرع المذهبي
صدكم عن القول بما أداكم إليه بحثكم! ؟