أعود إلى إتمام الحديث مع المفتي الأعجمي، قلت له: وإذا كان الأمر كما
تقولون: إن المسلمين ليسوا بحاجة إلى مجتهدين لأن المفتي يجد الجواب عن عين
المسألة أو مثلها، فهل يترتب ضرر ما لو فرض ذهاب القرآن؟ قال: هذا لا يقع،
قلت: إنما أقول: لو فرض، قال: لا يترتب أي ضرر لو فرض وقوع ذلك!
قلت: فما قيمة امتنان الله عز وجل إذن على عباده بحفظ القرآن حين قال: (إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، إذا كان هذا الحفظ غير ضروري بعد الأئمة
؟ !
والحقيقة أن هذا الجواب الذي حصلنا عليه من المفتي بطريق المحاورة، هو جواب
كل مقلد على وجه الأرض، وإنما الفرق أن بعضهم لا يجرؤ على التصريح به، وإن
كان قلبه قد انطوى عليه. نعوذ بالله من الخذلان.
فتأمل أيها القارىء اللبيب مبلغ ضرر ما نشكو منه، لقد جعلوا القرآن في حكم
المرفوع، وهو لا يزال بين ظهرانينا والحمد لله، فكيف يكون حالهم حين يسرى
عليه في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية؟ ! فاللهم هداك.
حكم تارك الصلاة:
هذا وفي الحديث فائدة فقهية هامة، وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي
قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام
الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها، ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك
الصلاة خاصة، مع إيمانه بمشروعيتها، فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك، بل يفسق
وذهب أحمد إلى أنه يكفر وأنه يقتل ردة، لا حدا، وقد صح عن الصحابة أنهم
كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم،
وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصا على أنهم
كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن
يغفره الله له، كيف ذلك وهذا حذيفة بن اليمان - وهو من كبار أولئك الصحابة -
يرد