أضل الناس، وأجهلهم
وأسوئهم أدبا، بل يجب تأديبه وتعزيره ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة. ولكن المتردد منا، وإن
كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور (فإنه) لا يكون ما وصف
الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء، ثم هذا
باطل (على إطلاقه) فإن الواحد يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما
في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه
لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من
وجه، كما قيل:
الشيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب.
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه. بل جميع ما يريده العبد من الأعمال
الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي " الصحيح ": " حفت النار
بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره " وقال تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره
لكم) * الآية. ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث، فإنه قال
: " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " فإن العبد الذي هذا حاله صار
محبوبا للحق محبا له، يتقرب إليه أولا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في
النوافل، التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق.
فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث يحب ما يحبه
محبوبه، ويكره ما يكره محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من
هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه قد قضى بالموت.
فكل ما قضى به فهو يريده ولابد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه وهو
مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت
مرادا للحق من وجه مكروها له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء
الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما
ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده. وليس إرادته لموت المؤمن
الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته ".