وتابعه يحيى الحماني - بكسر المهملة وتشديد الميم -
عن سليمان بن بلال، وأخرجه أبو عوانة من طريق بشر بن عمرو عن سليمان بن بلال
، فقال: " بضع وستون أو بضع وسبعون ". وكذا وقع التردد في رواية مسلم من
طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار. ورواه أصحاب السنن الثلاثة من
طريقه فقالوا: " بضع وسبعون " من غير شك، ولأبي عوانة في " صحيحه " من طريق
: " ست وسبعون أو سبع وسبعون ". ورجح البيهقي رواية البخاري لأن سليمان لم
يشك. وفيه نظر لما ذكرنا من رواية بشر بن عمرو عنه، فتردد أيضا. لكن يرجح
بأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه. وأما رواية الترمذي بلفظ: " أربع وستون
" فمعلولة، وعلى (فرض) صحتها لا تخالف رواية البخاري، وترجيح رواية بضع
وسبعون لكونها زيادة ثقة كما ذكره الحليمي ثم عياض - لا يستقيم، إذ الذي زادها
لم يستمر على الجزم بها لاسيما مع اتحاد المخرج. وبهذا يتبين شفوف نظر
البخاري، وقد رجح ابن الصلاح الأقل لكونه المتيقن ".
وأقوله: لا شك أن الأخذ بالأقل هو المتيقن عند اضطراب الرواية وعدم إمكان
ترجيح وجه من وجوه الاضطراب، وليس الأمر كذلك هنا في نقدي لأن رواية مسلم عن
سليمان أرجح من رواية البخاري عنه لأنها من طريقين كما سبقت الإشارة إليه عن
أبي عامر عنه. خلافا لقول الحافظ السابق: " لم تختلف الطرق عن أبي عامر ... "
. ومتابعة الحماني إياه لا تفيد فيما نحن فيه لأن الحماني فيه ضعف. فإذا رجحت
رواية مسلم عن أبي عامر، فيصير سليمان بن بلال متابعا لسهيل بن أبي صالح من
طريق سفيان وحماد بن سلمة عنه بلفظ " بضع وسبعون "، وبهذه المتابعة يترجح
هذا اللفظ على سائر الألفاظ، لاسيما وغالبها تردد فيها الرواة وشكوا، فإذا
انضم إلى ذلك أن زيادة الثقة مقبولة، استقام ترجيح هذا اللفظ كما ذكره الحليمي
ثم عياض، ولم يرد عليه قول الحافظ: " إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها
" لأنه يكفي القول بأن الجزم بها هو الراجح على ما بينا. والله أعلم. وأما
لفظ " أربع وستون "، فأخرجه الترمذي وأحمد (٢ / ٣٧٩) من طريق عمارة بن
غزية عن أبي صالح به.