أما بعد؛ فهذا هو المجلد الخامس من "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" أقدمه اليوم إلى قرائنا الكرام؛ لينهلوا مما فيه من السنة الصحيحة، وثمارها اليانعة، على اختلاف أنواعها، وجميل توجيهاتها، وتعدد فوائدها، مما يحتاجه كل مسلم في حياته؛ من العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، وغيرها.
وإن أول حديث يبادرك من هذا المجلد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في كل قرنٍ مِن أمَّتي سابقون"، ففيه بشارة عظيمة لهذه الأمة المحمدية باستمرار العاملين بأحكام الله في كل قرن، وأن قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}(١) ، ليس خاصًا بقرن دون قرن، بل هو عامٌّ في كل العصور، حتى تقوم الساعة؛ خلافًا لما رُوِيَ عن عائشة أن السابق بالخيرات إنما هو مَن مضى على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فإنه مع مخالفته لهذا الحديث الصحيح، فيه مَن هو متروك الحديث؛ كما هو مبين في الكتاب الآخر (٣٢٣٥) .
وقد تميَّزَ هذا المجلد بأمور؛ منها: كثرة الأحاديث الواردة في شمائله - صلى الله عليه وسلم - وهديه، مما يدخل في باب (كان) ، من رقم (٢٠٥٣-٢١٤١) ، ومن ذلك أنه "كان لا يطأ عقبه رجلان"(٢٠٨٧ و٢١٠٤) ؛ من آداب المشي مع الكبراء، خلافًا لما عليه اليوم بعض مشايخ الصوفية والعلماء، فضلًا عن الملوك والأمراء!