وروي عن اللجلاج قال:
" كنا نسافر مع عمر رضي الله عنه ثلاثة أميال فنتجوز في الصلاة ونفطر ".
وإسناده محتمل للتحسين رجاله كلهم ثقات غير أبي الورد بن ثمامة روى عنه ثلاثة
وقال ابن سعد: " كان معروفا قليل الحديث ".
وقد دلت هذه الآثار على جواز القصر في أقل من المسافة التي دل عليها الحديث،
وذلك من فقه الصحابة رضي الله عنهم، فإن السفر مطلق في الكتاب والسنة، لم
يقيد بمسافة محدودة كقوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فلا جناح عليكم أن
تقصروا من الصلاة) الآية.
وحينئذ فلا تعارض بين الحديث وهذه الآثار، لأنه لم ينف جواز القصر في أقل من
المسافة المذكورة فيه، ولذلك قال العلامة ابن القيم في " زاد المعاد في هدي
خير العباد " (١ / ١٨٩) :
" ولم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لهم
ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر، وأما
ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة، فلم يصح عنه منها شيء
البتة، والله أعلم ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف فما كان سفرا
في عرف الناس، فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم ".
وقد اختلف العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلافا كثيرا جدا، على
نحو عشرين قولا، وما ذكرناه عن ابن تيمية وابن القيم أقربها إلى الصواب،
وأليق بيسر الإسلام، فإن تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة
أيام وغيرها من