أيضا كما هو معروف مشهور في كتب الحديث
والسيرة وبين مكة ومنى فرسخ كما في " معجم البلدان ".
وقال جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول:
" لو خرجت ميلا قصرت الصلاة ".
ذكره الحافظ وصححه.
ولا ينافي هذا ما في الموطأ وغيره بأسانيد صحيحة عن ابن عمر أنه كان يقصر في
مسافة أكثر مما تقدم، لأن ذلك فعل منه، لا ينفي القصر في أقل منها لو سافر
إليها، فهذه النصوص التي ذكرناها صريحة في جواز القصر في أقل منها، فلا يجوز
ردها، مع دلالة الحديث على الأقل منها. وقد قال الحافظ في " الفتح "
(٢ / ٤٦٧ - ٤٦٨) :
" وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد
به المسافة التي يبتدأ منها القصر، لا غاية السفر! ولا يخفى بعد هذا الحمل،
مع أن البيهقي ذكره في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد قال: سألت أنسا عن
قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة أصلى ركعتين ركعتين حتى
أرجع فقال أنس: فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن
الموضع الذي يبتدئ القصر منه، ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل
بمجاوزة البلد الذي يخرج منها. ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به.
فإن كان المراد به أنه لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم، لكن لا
يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها
فيؤخذ بالأكثر احتياطا. وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن
عبد الرحمن بن حرملة قال: قلت لسعيد ابن المسيب: أأقصر الصلاة وأفطر في بريد
من المدينة؟ قال: نعم. والله أعلم ".
قلت: وإسناد هذا الأثر عند بن أبي شيبة (٢ / ١٥ / ١) صحيح.