للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

" ثم قال تعالى: * (وتحسبونه هينا وهو عند الله

عظيم) *، أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين، وتحسبون ذلك يسيرا سهلا

، ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا، فكيف وهي زوجة

النبي صلى الله عليه وسلم الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فعظيم عند الله

أن يقال في زوجة نبيه ورسوله ما قيل، فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا،

وهو سبحانه لا (١) يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك، حاشا وكلا، ولما لم

يكن ذلك، فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء زوجة سيد ولد آدم على الإطلاق

في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم

) * ". أقول: فلا ينافي هذا ما ذكرنا من الإمكان، لأن المقصود بـ " العصمة "

الواردة في كلامه رحمه الله وما في معناها إنما هي العصمة التي دل عليها الوحي

الذي لولاه لوجب البقاء على الأصل، وهو الإمكان المشار إليه، فهي بالمعنى

الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " فالمعصوم من عصمه الله " في

حديث أخرجه البخاري وغيره، وليس المراد بها العصمة الخاصة بالأنبياء عليهم

الصلاة والسلام، وهي التي تنافي الإمكان المذكور، فالقول بهذه في غير

الأنبياء إنما هو من القول على الله بغير علم، وهذا ما صرح به أبو بكر الصديق

نفسه في هذه القصة خلافا لهواه كأب، فقد أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة رضي

الله عنها أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رضي الله عنها رأسها، فقالت: ألا

عذرتني؟ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم؟! (٢)

وهذا هو الموقف الذي يجب على كل مسلم أن يقفه تجاه كل مسألة لم يأت الشرع الحنيف

بما يوافق هوى الرجل، ولا يتخذ إلهه هواه.


(١) كذا الأصل، ولعل الصواب " لم " كما يدل عليه قوله الآتي: " ولما لم يكن
ذلك ... ".
(٢) كذا في " روح المعاني " للآلوسي (٦ / ٣٨) وعزاه الحافظ في " الفتح " (٨
/ ٣٦٦) للطبري وأبي عوانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>