واعلم أن الذي دعاني إلى كتابة ما تقدم، أن رجلا عاش برهة طويلة مع إخواننا
السلفيين في حلب، بل إنه كان رئيسا عليهم بعض الوقت، ثم أحدث فيهم حدثا دون
برهان من الله ورسوله، وهو أن دعاهم إلى القول بعصمة نساء النبي صلى الله
عليه وسلم وأهل بيته وذريته من الوقوع في الفاحشة، ولما ناقشه في ذلك أحد
إخوانه هناك، وقال له: لعلك تعني عصمتهن التي دل عليها تاريخ حياتهن، فهن
في ذلك كالخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة المشهورين، المنزهين منها ومن
غيرها من الكبائر؟ فقال: لا، إنما أريد شيئا زائدا على ذلك وهو عصمتهن التي
دل عليها الشرع، وأخبر عنها دون غيرها مما يشترك فيها كل صالح وصالحة، أي
العصمة التي تعني مقدما استحالة الوقوع! ولما قيل له: هذا أمر غيبي لا يجوز
القول به إلا بدليل، بل هو مخالف لما دلت عليه قصة الإفك، وموقف الرسول
وأبي بكر الصديق فيها، فإنه يدل دلالة صريحة أنه صلى الله عليه وسلم كان لا
يعتقد في عائشة العصمة المذكورة، كيف وهو يقول لها: إنما أنت من بنات آدم،
فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ... الحديث:
فأجاب بأن ذلك كان من قبل نزول آية الأحزاب ٣٣: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *! جاهلا أو متجاهلا أن الآية المذكورة نزلت
قبل قصة الإفك، بدليل قول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن صفوان بن
المعطل السلمي: " فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب "، وفيه أنها
احتجبت منه. ودليل آخر، وهو ما بينه الحافظ رحمه الله بقوله (٨ / ٣٥١) :
" ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش،