الأمر الآخر: أن بعض المحققين من العلماء اليمانيين ممن نقطع أنه وقف على كتب
ابن الوزير، ألا وهو الشيخ صالح المقبلي، قد تكلم على هذا الحديث بكلام جيد
من جهة ثبوته ومعناه، وقد ذكر فيه أن بعضهم ضعف هذا الحديث فكأنه يشير بذلك
إلى ابن الوزير. وأنت إذا تأملت كلامه وجدته يشير إلى أن التضعيف لم يكن من
جهة السند، وإنما من قبل استشكال معناه، وأرى أن أنقل خلاصة كلامه المشار
إليه لما فيه من الفوائد. قال رحمه الله تعالى في " العلم الشامخ في إيثار
الحق على الآباء والمشايخ " (ص ٤١٤) :
" حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، رواياته كثيرة يشد بعضها بعضا
بحيث لا يبقى ريبة في حاصل معناها. (ثم ذكر حديث معاوية هذا، وحديث ابن
عمرو بن العاص الذي أشار إليه الحافظ العراقي وحسنه الترمذي ثم قال:)
والإشكال في قوله: " كلها في النار إلا ملة "، فمن المعلوم أنهم خير الأمم،
وأن المرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة، مع أنهم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء
في الثور الأسود حسبما صرحت به الأحاديث، فكيف يتمشى هذا؟ فبعض الناس تكلم في
ضعف هذه الجملة، وقال: هي زيادة غير ثابتة. وبعضهم تأول الكلام. قال:
ومن المعلوم أن ليس المراد من الفرقة الناجية أن لا يقع منها أدنى اختلاف،
فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة. إنما الكلام في مخالفة تصير صاحبها فرقة
مستقلة ابتدعها. وإذا حققت ذلك فهذه البدع الواقعة في مهمات المسائل، وفيما
يترتب عليه عظائم المفاسد لا تكاد تنحصر، ولكنها لم تخص معينا من هذه الفرق
التي قد تحزبت والتأم بعضهم إلى قوم وخالف آخرون بحسب مسائل عديدة.
ثم أجاب عن الإشكال بما خلاصته:
" إن الناس عامة وخاصة، فالعامة آخرهم كأولهم، كالنساء والعبيد والفلاحين