والسوقة ونحوهم ممن ليس من أمر الخاصة في شيء، فلا شك في براءة آخرهم من
الابتداع كأولهم.
وأما الخاصة، فمنهم مبتدع اخترع البدعة وجعلها نصب عينيه، وبلغ في تقويتها
كل مبلغ، وجعلها أصلا يرد إليها صرائح الكتاب والسنة، ثم تبعه أقوام من
نمطه في الفقه والتعصب، وربما جددوا بدعته وفرعوا عليها وحملوه ما لم
يتحمله، ولكنه إمامهم المقدم وهؤلاء هم المبتدعة حقا، وهو شيء كبير (تكاد
السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) ، كنفي حكمة الله تعالى،
ونفي إقداره المكلف، وككونه يكلف ما لا يطاق، ويفعل سائر القبائح ولا
تقبح منه، وأخواتهن! ومنها ما هو دون ذلك، وحقائقها جميعها عند الله
تعالى، ولا ندري بأيها يصير صاحبها من إحدى الثلاث وسبعين فرقة.
ومن الناس من تبع هؤلاء وناصرهم وقوى سوادهم بالتدريس والتصنيف، ولكنه
عند نفسه راجع إلى الحق، وقد دس في تلك الأبحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه
خفي، ولعله تخيل مصلحة دنيئة، أو عظم عليه انحطاط نفسه وإيذاؤهم له في عرضه
وربما بلغت الأذية إلى نفسه. وعلى الجملة فالرجل قد عرف الحق من الباطل،
وتخبط في تصرفاته، وحسابه على الله سبحانه، إما أن يحشره مع من أحب بظاهر
حاله، أو يقبل عذره، وما تكاد تجد أحدا من هؤلاء النظار إلا قد فعل ذلك،
لكن شرهم والله كثير، فلربما لم يقع خبرهم بمكان، وذلك لأنه لا يفطن لتلك
اللمحة الخفية التي دسوها إلا الأذكياء المحيطون بالبحث، وقد أغناهم الله
بعلمهم عن تلك اللمحة، وليس بكبير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق
ويخفيه. والله المستعان.
ومن الناس من ليس من أهل التحقيق، ولا هيء للهجوم على الحقائق، وقد