تدرب
في كلام الناس، وعرف أوائل الأبحاث، وحفظ كثيرا من غثاء ما حصلوه ولكن
أرواح الأبحاث بينه وبينها حائل. وقد يكون ذلك لقصور الهمة والاكتفاء
والرضا عن السلف لوقعهم في النفوس. وهؤلاء هم الأكثرون عددا، والأرذلون
قدرا، فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة، ولا أدركوا سلامة العامة. فالقسم
الأول من الخاصة مبتدعة قطعا. والثاني ظاهره الابتداع، والثالث له حكم
الابتداع.
ومن الخاصة قسم رابع ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين، أقبلوا على الكتاب
والسنة وساروا بسيرها، وسكتوا عما سكتا عنه، وأقدموا وأحجموا بهما
وتركوا تكلف مالا يعنيهم، وكان تهمهم السلامة، وحياة السنة آثر عندهم من
حياة نفوسهم، وقرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى، وفهم معانيه على
السليقة العربية والتفسيرات المروية، ومعرفة ثبوت حديث نبوي لفظا وحكما.
فهؤلاء هم السنية حقا، وهم الفرقة الناجية، وإليهم العامة بأسرهم، ومن
شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين، بحسب علمه بقدر بدعتهم ونياتهم.
إذا حققت جميع ما ذكرنا لك، لم يلزمك السؤال المحذور وهو الهلاك على معظم
الأمة، لأن الأكثر عددا هم العامة قديما وحديثا، وكذلك الخاصة في الأعصار
المتقدمة، ولعل القسمين الأوسطين، وكذا من خفت بدعته من الأول، تنقذهم
رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية، ورحمة ربك أوسع
لكل مسلم، لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث ومصداقة، وأن أفراد الفرق المبتدعة
وإن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموع أفرادهم جزءا من ألف جزء من سائر المسلمين
: فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة الحديث لأحاديث فضائل الأمة المرحومة ".
قلت: وهذا آخر كلام الشيخ المقبلي رحمه الله، وهو كلام متين يدل على علم
الرجل وفضله ودقة نظره، ومنه تعلم سلامة الحديث من الإشكال الذي أظن أنه
عمدة ابن الوزير رحمه الله في إعلاله إياه. والحمد لله على أن وفقنا للإبانة
عن صحة