بشيء، وأما هذا المأفون، فزعم (ص ١٦
و١٨) : أنه شاذ، والشاذ من قبيل الضعيف. بعد أن ادعى أنه موقوف عليها.
وهذه الدعوى وإن كان مسبوقا إليها من بعض فقهاء الشافعية، فقد ردها الحافظ -
وهو شافعي أيضا - بقوله في " الفتح " (١ / ٤٦٤) ردا على المخالفين: " فهو مما
لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع ". قلت: وإني - والله - لأتعجب كل العجب
من أولئك الفقهاء وكيف يجيزون على السيدة عائشة أن تقول من نفسها: " فرض الله
الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر.. " الحديث، وهو متفق عليه
- كما تقدم - ولو أنها قالت من نفسها: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
... " كما قال ذلك ابن عمر في صدقة الفطر، لو أن ذلك قاله قائل دون توقيف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتبر القائل من الكاذبين على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فكيف يكون حاله لو قال: " فرض الله.. "؟! تالله إنها لإحدى
الكبر أن يقال في عائشة الصديقة رضي الله عنها أنها قالت ذلك من نفسها دون
توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولا يقال: لعلهم لم يقفوا على هذا
اللفظ الصريح في الرفع، وإنما على اللفظ الآخر: " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين
.. ". لأننا نقول: هب أن الأمر كذلك بالنسبة لغير الغماري، فإنه في معنى
الأول، ألا ترى أن العلماء ذكروا في " مصطلح الحديث ": " وقول الصحابي: "
أمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " مرفوع مسند عند أصحاب الحديث ". كذا في "
اختصار علوم الحديث " (ص ٥٠) وغيره. وليس بخاف على أحد أنه لا فرق بين قول
الصحابي: " أمر " وقوله " فرض "، وبخاصة إذا صرح بالفاعل كما في هذه
الرواية الصحيحة عن عائشة