فلماذا أعرض عنه؟! ولقد زاد في
المكابرة فقال في الوجه العاشر (ص ١٨) : " ولم يأت في شيء من الطرق التي
استندوا إليها صحيحها وضعيفها أن الصلاة كانت اثنتين ثم فرضت بعد الهجرة أربعا
". قلت: يأبى الله بحكمته إلا أن يكشف مكابرة هذا المدبر وضلاله - بقلمه -
فإنه ينفي ذلك في كل الطرق حتى الضعيفة منها، فكيف يقول هذا وهو في صدد تضعيف
حديث عائشة، ومن ألفاظه في رواية معمر المتقدمة بلفظ: " فرضت الصلاة ركعتين
ثم هاجر النبي ففرضت أربعا.. ". وهذا اللفظ قد ذكره هذا المدبر نفسه في
رسالته (ص ٢٠) ، فهذا نص صريح ينافي ما نفاه، فهل كان ذلك عن غفلة منه أو
تغافل؟ أحلاهما مر، فهذا الحديث صريح في الرفع، فهو يبطل ادعاءه بأنه موقوف
، وحسبك أنه في صحيح البخاري مع وروده من طرق أخرى كما تقدم. وأما زعمه بأنه
شاذ ضعيف، فهو أبطل من سابقه، لأنه لم يقله مسلم من قبله، وقد ذكرت آنفا عن
ابن رشد أنه ثابت باتفاق. بل إنني أقول: إنه صحيح يقينا لأنه من أحاديث
الصحيحين التي تلقتها الأمة بالقبول، لا فرق بين من حمله على الوجوب، ومن
حمله على الاستحباب، وما كان كذلك من أحاديثهما فهو يفيد العلم كما هو مقرر
في " المصطلح "، وراجع لذلك " شرح اختصار علوم الحديث " لابن كثير. ولهذا
فإني أخشى أن يشمله وعيد قوله تعالى * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * (
١١٥: النساء) . ولو علم القارىء الأسباب التي حملته على مخالفته للمسلمين
لازداد تعجبا معي من جرأته في المخالفة، ويمكن تلخيصها بما يأتي: