لا حرج على على من لم
يحضر في المطر. كان ذلك حكما جديدا لولاه بقي الحكم السابق على ما كان عليه من
العموم والشمول. فكذلك نقول: لما كان من المعلوم أيضا وجوب أداء كل صلاة في
وقتها المحدد شرعا بفعله صلى الله عليه وسلم، وإمامة جبريل عليه السلام إياه
، وقوله: " الوقت بين هذين "، ثم ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين
الصلاتين، لرفع الحرج عن أمته صلى الله عليه وسلم، كان ذلك دليلا واضحا على
أن جمعه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، كان جمعا حقيقيا، فحمله على الجمع
الصوري والحالة هذه تعطيل للحديث كما هو ظاهر للمنصف المتأمل، إذ إنه لا حرج
في الجمع الصوري أصلا، ولذلك فلم يبالغ الإمام النووي رحمه الله حين قال في
حمل الحديث على الجمع الصوري: " إنه باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل
". وإن مما يؤكد ذلك أمران: الأول: إن في حديث ابن عباس أن الجمع كان في
غير خوف ولا مطر، ففيه إشارة قوية إلى أن جمعه صلى الله عليه وسلم في المطر
كان معروفا لدى الحاضرين، فهل كان الجمع في المطر صوريا أيضا؟! اللهم لا.
يخبرنا بذلك نافع مولى ابن عمر قال: كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا
بالمغرب، وعجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق، فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى
بذلك بأسا، قال عبيد الله (هو الراوي عن نافع) : ورأيت القاسم وسالما
يصليان معهم في مثل تلك الليلة. أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (٢ / ٢٣٤)
بسند صحيح غاية. قلت: فقوله: " قبل أن يغيب الشفق " صريح في أن جمعهم كان
جمعا حقيقيا، لأن مغيب الشفق آخر وقت المغرب كما في حديث ابن عمرو عند مسلم (
٢ / ١٠٤ - ١٠٥) وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (٤٢٥) .