للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

شيئا آخر غير هذا مما فعل، وليس يعني نهيه عن كل ما فعل،

بدليل أنه لم يعن الأمر الأول كما سبق تقريره. فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا

الأمر الثالث أيضا. وهذا وإن كان خلاف الظاهر، فإن العلماء كثيرا ما يضطرون

لترك ما دل عليه ظاهر النص لمخالفته لنص آخر هو في دلالته نص قاطع، مثل ترك

مفهوم النص لمنطوق نص آخر، وترك العام للخاص، ونحو ذلك، وأنا أرى أن ما

نحن فيه الآن من هذا القبيل، فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون

الصف مخالف لخصوص ما دل عليه حديث عبد الله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة،

وإذا كان الأمر كذلك فلابد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر، ولا يشك

عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما، لأن هذا دلالته

على وجه الاحتمال بخلاف الذي قبله، وقد ذكروا في وجوه الترجيح بين الأحاديث

أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقا به وما تضمنه الحديث الآخر يكون

محتملا. ومما لا شك فيه أيضا أن دلالة هذا الحديث في هذه المسألة ليست قاطعة

بل محتملة، بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم فإن دلالته عليها قاطعة،

فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث.

وثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور:

أولا: خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد

الحرام وإعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد.

ثانيا: عمل كبار الصحابة به كأبي بكر وابن مسعود وزيد بن ثابت كما تقدم

وغيرهم. فذلك من المرجحات المعروفة في علم الأصول. بخلاف هذا الحديث فإننا

لا نعلم أن أحدا من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة، فكان ذلك

كله دليلا قويا على أن دلالته فيها مرجوحة، وأن حديث ابن الزبير هو الراجح في

<<  <  ج: ص:  >  >>