وجملة القول
أن الحديث صحيح من رواية سالم عن سبرة رضي الله عنه، وقد صححه من تقدم ذكرهم
، واحتج به ابن كثير في " التفسير " (٢ / ٢٠٤) وساقه ابن القيم في " إغاثة
اللهفان " مساق المسلمات. وأما المعلق عليه (ابن عبد المنان) ، المتخصص في
تضعيف الأحاديث الصحيحة، فقد جزم في تعليقه عليه (١ / ١٣٤) بأن إسناده ضعيف
مخالفا في ذلك كل من ذكرنا من المصححين له والمحتجين به، معللا إياه بأن سالم
بن أبي الجعد لم يصرح بالسماع من سبرة. متشبثا في ذلك بما ذهب إليه البخاري
وغيره أنه لا يكفي في الحديث أو الإسناد المعنعن لإثبات اتصاله المعاصرة، بل
لابد من ثبوت اللقاء ولو مرة، خلافا لمسلم وغيره ممن يكتفي بالمعاصرة.
والحقيقة أن هذه المسألة من المعضلات، ولذلك تضاربت فيها أقوال العلماء، بل
العالم الواحد، فبعضهم مع البخاري، وبعضهم مع مسلم. وقد أبان هذا عن وجهة
نظره، وبسط الكلام بسطا وافيا مع الرد على مخالفه، بحيث لا يدع مجالا للشك
في صحة مذهبه، وذلك في مقدمة كتابه " الصحيح "، وكما اختلف هو مع شيخه في
المسألة، اختلف العلماء فيها من بعدهما، فمن مؤيد ومعارض، كما تراه مشروحا
في كتب علم المصطلح، في بحث (الإسناد المعنعن) . ولدقة المسألة رأيت الإمام
النووي الذي انتصر في مقدمة شرحه على " مسلم " لرأي الإمام البخاري، قد تبنى
مذهب الإمام مسلم في بعض كتبه في " المصطلح "، فقال في بيان الإسناد المعنعن
في كتابه " التقريب ": ".. وهو فلان عن فلان، قيل: إنه مرسل. والصحيح
الذي عليه العمل، وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل
بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا، وفي اشتراط
ثبوت اللقاء، وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف.. ".