هذا وإن مما يسترعي الانتباه ويلفت النظر - أن
المذكورين من الحفاظ والعلماء جروا فيما كتبوا في " علم المصطلح " على نحو مما
جرى عليه سلفهم في التأليف، أعني به ابن الصلاح في " مقدمته "، وقلما
يخالفونه، وإنما هم ما بين مختصر وملخص ومقيد وشارح، كما يعلم ذلك الدارس
لمؤلفاتهم فيه، وهذه المسألة مما خالفوه فيها، فإن عبارة النووي المتقدمة في
الاكتفاء بالمعاصرة وإمكانية اللقاء هي منه تعديل لعبارة ابن الصلاح المصرحة
بشرطية ثبوت اللقاء، وعلى هذا التعديل جرى المذكورون آنفا، وأكدوا ذلك
علميا في تصحيحهم للأحاديث المروية بأسانيد لا يمكن التحقق من ثبوت التلاقي بين
الرواة في كل الطبقات، هذا يكاد يكون مستحيلا، يعرف ذلك من مارس فن التخريج،
ولم يكن من أهل الأهواء، وها هو المثال بين يديك، فهذا الحديث من رواية
سالم بن أبي الجعد عن سبرة رضي الله عنه، فقد صححه من تقدم ذكرهم، ومنهم
الحافظ العراقي الذي أقر في شرحه على " المقدمة " ابن الصلاح على شرطية اللقاء
، ولم أجد له قولا يوافق الذين اكتفوا بالمعاصرة، ومع ذلك فقد وافقهم عمليا
حين صحح إسناد هذا الحديث، فإن سالما هذا لم نر من صرح بلقائه لسبرة، ولكنه
مقطوع بتابعيته ومعاصرته للصحابة، بل وروايته عن جمع منهم، ونصوا أنه لم
سمع من بعضهم، وليس منهم (سبرة) ، هذا، ومع ذلك فقد تشبث مضعف الأحاديث
الصحيحة، ومخرب كتب الأئمة بالتعليق عليها - بشرطية اللقاء، فقال في تعليقه
على كتاب ابن القيم " إغاثة اللهفان " (١ / ١٣٤) : " إسناده ضعيف، فإن سالما
لم يرو عن سبرة غير هذا الحديث، ولم يصرح بالسماع منه، وهو معروف بالإرسال
عن جمع من الصحابة، فلا يثبت له الحديث إلا إذا صرح بالسماع منه.. "! فيقال
له: أثبت العرش ثم انقش! فإن الشرط المذكور ليس لك عليه دليل إلا