والرد عليه من وجوه: الأول:
أنه ليس أحط منهما في الصحة، بل هو أعلى منهما فيها، كيف لا وهو قد رواه
سبعة من الصحابة وهم أبو هريرة ولحديثه وحده عشرة طرق عنه كما تقدم بيانه!
وابن عباس، وعائشة، وابن أبي أوفى، وابن عمر، وعبد الله بن مغفل، وأبو
سعيد الخدري. وأما حديث أبي ذر، فله عنه ثلاث طرق فقط، وله شاهد من حديث
أبي الدرداء ضعفه البخاري، وآخر من حديث سلمة بن نعيم عند الإمام أحمد.
وأما حديث عبادة، فله عنه ثلاث طرق أيضا، ولم أجد له شاهدا في المصادر
المتوفرة لدي الآن. إذا عرفت هذا أيها القارىء الكريم يتبين لك بجلاء لا غموض
فيه بطلان قول الكوثري إن حديث الترجمة أحط من الحديثين المشار إليهما في الصحة
! إذ كيف يعقل ذلك وقد عرفت أنه أكثر منهما طرقا وشواهد؟ وهذا القول منه في
الحقيقة مما يؤكد أن الرجل - مع علمه - لا يوثق بأقواله، لأنه يتبع هواه
فيدفعه إلى أن يهرف بما لا يعرف، أو إلى أن ينحرف عما يعرف، فيجعل المرجوح
راجحا، أو المفضول فاضلا، وبالعكس، نسأل الله العافية. الثاني: هب أنه
أحط منهما في الصحة، فذلك مما لا يقدح فيه عند أهل المعرفة بهذا العلم الشريف
، ألا ترى أن الحديث الحسن لغيره أحط في الثبوت من الحسن لذاته، وهذا أحط في
الصحة من الصحيح لغيره، وهذا أحط من الصحيح لذاته، وهكذا يقال في المشهور
والمستفيض مع المتواتر كما هو ظاهر، والكوثري لا يخفى عليه هذا، ولكنها
المكابرة واتباع الهوى الذي يحمله على الغمز في الحديث الصحيح لمخالفته لمذهبه
، بل لهواه، كما يأتي بيانه!