الثالث: قوله: بل أنكر بعض أهل العلم صحته
بالمرة كما حكى ابن جرير. فأقول: فيه تحريف خبيث لغاية في نفسه من المبالغة
في تعظيم المنكر لصحة هذا الحديث، فإن نص كلام ابن جرير كما حكاه الحافظ عنه
في المكان الذي أشار إليه الكوثري نفسه: " وأنكر بعضهم أن يكون صلى الله عليه
وسلم قاله ". فقوله: " بعضهم " شرحه الكوثري بقوله: " بعض أهل العلم ".
وهذا مما لا دليل عليه، فقد يكون المنكر الذي أشار إليه ابن جرير ليس عنده من
أهل العلم الذين يستحقون أن يحشروا في زمرتهم، بل هو عنده من أهل الأهواء
والبدع كالمرجئة ونحوهم، كما هو شأن الكوثري عندي، فتأمل كيف حرف هذا النقل
عن ابن جرير لتضخيم شأن المنكر، مما يؤكد أنه لا يوثق بنقله عن العلماء، وكم
له من مثله مما لا مجال الآن للإفاضة فيه. الرابع: قوله: وفي سنده يحيى بن
عبد الله بن بكير، وهو ممن لا يحتج به أبو حاتم ... إلخ. قلت: وهذا أسوأ
ما في هذا التعليق من الجور والطعن في الراوي الثقة، وفي حديثه بدون حجة
ولا بينه، وإليك البيان: أولا: لقد اعتمد في الطعن في ابن بكير على كلام أبي
حاتم والنسائي، وهو يعلم أنه طعن غير مفسر، وأن مثله لا يقبل، لاسيما إذا
كان وثقه الجمهور، واحتج به الشيخان، ولذلك قال الذهبي: " ثقة صاحب حديث
ومعرفة، يحتج به في " الصحيحين " (ثم ذكر كلام أبي حاتم والنسائي فيه ثم قال
:) ووثقه غير واحد ". ثانيا: هب أن جرح من جرحه مقدم على توثيق من وثقه،
فلا يلزم أن يكون