مجروحا في كل من روى عنهم، كما أن العكس غير لازم أيضا، أي
لا يلزم من كون الراوي ثقة أن يكون ثقة في كل من روى عنهم، كما هو معلوم عند
المشتغلين بهذا العلم، فقد يكون المجروح له نوع اختصاص ببعض الرواة والحفظ
لحديثهم فيكون ثقة في مثلهم، وهذا الحديث قد رواه ابن بكير عن الليث كما تقدم
في أول هذا التخريج، وقد قال ابن عدي فيه: " كان جار الليث بن سعد، وهو
أثبت الناس فيه، وعنده عن الليث ما ليس عند أحد ". وقد لاحظ الحافظ ابن حجر
اختصاصه المذكور بالليث، فقال في " التقريب ": " ثقة في الليث، وتكلموا في
سماعه من مالك ". فتأمل أيها القارىء الكريم كيف كتم الكوثري الاختصاص المذكور
الذي لا يسمح مطلقا بجرح ابن بكير في روايته عن الليث خاصة، فما أجرأه على
كتمان الحق، والتدليس على الناس. ثالثا: هب أنه مجروح مطلقا حتى في روايته
عن الليث، فجرحه ليس لتهمة في نفسه، وإنما لضعف في حفظه يخشى أن يعرض له في
بعض حديثه، وهذه الخشية منفية هنا، لأنه قد تابعه سعيد بن عفير قال: حدثني
الليث به كما تقدم أيضا من رواية البخاري. وتابعه آخرون عند مسلم وغيره كما
سبقت الإشارة إلى ذلك في مطلع هذا التخريج، فماذا يقال عن هذا الكوثري الذي
تجاهل هذه المتابعات كلها وهي بين يديه وعلى مرأى منه، ثم كيف تجاهل الطرق
الأخرى عن سائر الصحابة الذين تابعوا أبا هريرة رضي الله عنهم جميعا، لقد
تجاهل الكوثري كل هذه الحقائق، ليوهم القارىء أن الحديث تفرد به ابن بكير
وأنه متكلم فيه، وأن الحديث ضعيف، وهو صحيح مستفيض، إن لم نقل إنه متواتر.
فالله تعالى يعامله بما يستحق، فما رأيت له شبها في قلب الحقائق وكتمانها إلا
السقاف والهدام!