للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

التي خلَقَهُ اللهُ عليها، ولما كان المصرح عن نبينا في خبر ابن عباس حيث قال: "أمَّني جبريلُ عند البيت مرتين ... " فذكر الخبر، وقال في آخره: "هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك " (١) ، كان في هذا الخبر البيانُ الواضح: أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا مِن الأمم.

ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل دارهُ بغير إذنه، أو الناظر إلى بيته

بغير أمره، من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الواردة فيه، التي أمليناها في غير موضع من كتبنا (٢) ؛كان جائزاً اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمّن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحاً له، ولا حرج عليه في فعله.

فلما رجع ملك الموت إلى ربه، وأخبره بما كان من موسى فيه؛ أمره ثانياً بأمر

آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل، إذ قال الله له: "قل له: إن شئت، فضع

يدك على متن ثور، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة"، فلما علم موسى

كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت، وأنه جاء بالرسالة من عند

الله، طابت نفسه بالموت ولم يستمهل، وقال: "فالآن ".

فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في

المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به، ضدَّ قول من زعم: "أن أصحاب الحديث حمَّالة الحطب ورعاة الليل، يجمعون ما لا ينتفعون به، ويروون ما لا يؤجرون


(١) حديث حسن صحيح؛ كما قال الترمذي، وصححه جمع، وهو مخرج في "الإرواء" (١/٢٦٨) ، و"صحيح أبي داود" (٤١٧) ، وعزاه بعضهم ل"صحيح ابن حبان"، فوهم!
(٢) قلت: من ذلك كتابه "الصحيح" (٧/٥٩٧- ٥٩٨- الإحسان) من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة، بعضها في"الصحيحين"، وهو مخرج في "الإرواء" (١٤٢٨و ٢٢٢٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>