ونحو هذه القصة ما أخرج الدينوري في " المنتقى من المجالسة " (ق ٨ / ١ - نسخة
حلب) : حدثنا أحمد بن علي البصري قال:
" وجه المتوكل إلى أحمد بن العدل وغيره من العلماء فجمعهم في داره، ثم خرج
عليهم، فقام الناس كلهم إلا أحمد بن العدل، فقال المتوكل لعبيد الله:
إن هذا الرجل لا يرى بيعتنا، فقال له: بلى يا أمير المؤمنين ولكن في بصره
سوء، فقال أحمد بن العدل: يا أمير المؤمنين ما في بصري من سوء، ولكنني
نزهتك من عذاب الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يمثل
له الرجال قياما فليتبوأ مقعده في النار "، فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه ".
وروى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (١٩ / ١٧٠ / ٢) بسنده عن الأوزاعي حدثني
بعض حرس عمر بن عبد العزيز قال:
" خرج علينا عمر بن عبد العزيز ونحن ننتظره يوم الجمعة، فلما رأيناه قمنا،
فقال: إذا رأيتموني فلا تقوموا، ولكن توسعوا ".
فقه الحديث:
دلنا هذا الحديث على أمرين.
الأول: تحريم حب الداخل على الناس القيام منهم له، وهو صريح الدلالة بحيث
أنه لا يحتاج إلى بيان.
والآخر: كراهة القيام من الجالسين للداخل، ولو كان لا يحب القيام، وذلك
من باب التعاون على الخير، وعدم فتح باب الشر، وهذا معنى دقيق دلنا عليه
راوي الحديث معاوية رضي الله عنه، وذلك بإنكاره على عبد الله بن عامر قيامه
له، واحتج عليه بالحديث، وذلك من فقهه في الدين، وعلمه بقواعد الشريعة،
التي منها " سد الذرائع "، ومعرفته بطبائع البشر، وتأثرهم بأسباب الخير
والشر، فإنك إذا تصورت مجتمعا صالحا كمجتمع السلف الأول، لم يعتادوا القيام
بعضهم لبعض، فمن النادر