أن تجد فيهم من يحب هذا القيام الذي يرديه في النار،
وذلك لعدم وجود ما يذكره به وهو القيام نفسه، وعلى العكس من ذلك إذا نظرت
إلى مجتمع كمجتمعنا اليوم، قد اعتادوا القيام المذكور، فإن هذه العادة
لاسيما مع الاستمرار عليها فإنها تذكره به، ثم إن النفس تتوق إليه وتشتهيه
حتى تحبه، فإذا أحبه هلك، فكان من باب التعاون على البر والتقوى أن يترك هذا
القيام، حتى لمن نظنه أنه لا يحبه خشية أن يجره قيامنا له إلى أن يحبه، فنكون
قد ساعدناه على إهلاك نفسه وذا لا يجوز. ومن الأدلة الشاهدة على ذلك أنك ترى
بعض أهل العلم الذين يظن فيهم حسن الخلق، تتغير نفوسهم إذا ما وقع نظرهم على
فرد لم يقم له، هذا إذا لم يغضبوا عليه ولم ينسبوه إلى قلة الأدب، ويبشروه
بالحرمان من بركة العلم بسبب عدم احترامه لأهله بزعمهم. بل إن فيهم من يدعوهم
إلى القيام، ويخدعهم بمثل قوله " أنتم لا تقومون لي كجسم من عظم ولحم،
وإنما تقومون للعلم الذي في صدري "! ! كأن النبي صلى الله عليه وسلم عنده لم
يكن لديه علم! ! لأن الصحابة كانوا لا يقومون له، أو أن الصحابة كانوا لا
يعظمونه عليه السلام التعظيم اللائق به! فهل يقول بهذا أو ذاك مسلم؟ !
ومن أجل هذا الحديث وغيره ذهب جماعة من أهل العلم إلى المنع من القيام للغير
كما في " الفتح " (١١ / ٤١) ثم قال:
" ومحصل المنقول عن مالك إنكار القيام، ما دام الذي يقام لأجله لم يجلس،
ولو كان في شغل نفسه، فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها، فتتلقاه
وتنزع ثيابه، وتقف حتى يجلس؟ فقال: أما التلقي فلا بأس به، وأما القيام
حتى يجلس فلا، فإن هذا فعل الجبابرة، وقد أنكره عمر بن عبد العزيز ".
قلت: وليس في الباب ما يعارض دلالة هذا الحديث أصلا، والذين خالفوا فذهبوا
إلى جواز هذا القيام بل استحبابه، استدلوا بأحاديث بعضها صحيح، وبعضها ضعيف
والكل عند التأمل في طرقها ومتونها لا ينهض للاستدلال على ذلك، ومن أمثلة
القسم الأول حديث " قوموا إلى سيدكم ". وقد تقدم الجواب عنه