فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث صرحوا بصحة هذا الحديث، وذلك ما يدل عليه
النقد العلمي الحديثي كما سبق تحقيقه، ولا أعلم أحدا خالفهم ممن يعتد بعلمهم
ومعرفتهم في هذا الميدان سوى يحيى بن سعيد القطان في كلمته المتقدمة، وقد
عرفت جواب الحافظين الذهبي والعسقلاني عليه، فلا نعيده.
إلا أن العلامة القاضي أبا بكر بن العربي رحمه الله تعالى جاء في كتابه
" العواصم من القواصم "، كلام قد يدل ظاهره أنه يذهب إلى إنكار هذا الحديث
ويبالغ في ذلك أشد المبالغة، فقال في " عاصمة " (ص ١٦١) :
" وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حرب،
ما كان شيء مما ذكرتم، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث، ولا
جرى ذلك الكلام، ولا شهد أحد بشهادتهم، وقد كتبت شهادتهم بهذا الباطل،
وسوف تسألون ".
ويشير بقوله " الشهادة " إلى ما كان ذكره من قبل في " قاصمة " (ص ١٤٨) :
" فجاؤا إلى ماء الحوأب، ونبحت كلابه، فسألت عائشة؟ فقيل لها: هذا ماء
الحوأب، فردت خطامها عنه، وذلك لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوأب، فشهد طلحة والزبير أنه
ليس هذا ماء الحوأب، وخمسون رجلا إليهم، وكانت أول شهادة زور دارت في
الإسلام ".
قلت: ونحن وإن كنا نوافقه على إنكار ثبوت تلك الشهادة، فإنها مما صان الله
تبارك وتعالى أصحابه صلى الله عليه وسلم منها، لاسيما من كان منهم من العشرة
المبشرين بالجنة كطلحة والزبير، فإننا ننكر عليه قوله " ولا قال النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك الحديث "! كيف وهو قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالسند
الصحيح في عدة مصادر من كتب السنة المعروفة عند أهل العلم؟ !