ولعل عذره في ذلك أنه حين قال ذلك لم يكن مستحضرا للحديث أنه وارد في شيء من
المصادر، بل لعله لم يكن قد اطلع عليها أصلا، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء
المغاربة أنه لم يكن عندهم علم ببعض الأصول الهامة من تأليف المشارقة، فهذا
ابن حزم مثلا لا يعرف الترمذي وابن ماجه ولا كتابيهما! وقد تبين لي أن
الحافظ عبد الحق الإشبيلي مثله في ذلك، فإنه لا علم عنده أيضا بسنن ابن ماجه،
ولا بمسند الإمام أحمد، فقد رأيته يكثر العزو لأبي يعلى والبزار، ولا يعزو
لأحمد وابن ماجه إطلاقا. وذلك في كتابه " الأحكام الكبرى " الذي أنا في صدد
تحقيقه بإذن الله تعالى.
فليس من البعيد أن أبا بكر بن العربي مثلهما في ذلك، وإن كان رحل إلى الشرق،
والله أعلم.
ولكن إذا كان ما ذكرته من العذر محتملا بالنسبة إلى أبي بكر بن العربي فما
هو عذر الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ محب الدين الخطيب الذي علق على كلمة
ابن العربي في " العاصمة " بقوله:
" ... وأن الكلام الذي نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن عائشة
ذكرته عند وصولهم إلى ذلك الماء - ليس له موضع في دواوين السنة المعتبرة ... "
!
كذا قال: وكأنه عفى الله عنا وعنه، لم يتعب نفسه في البحث عن الحديث في
دواوين السنة المعتبرة، بل وفي بعض كتب التاريخ المعتمدة مثل " البداية "
لابن كثير، لو أنه فعل هذا على الأقل، لعرف موضع الحديث في تلك الدواوين
المعتبرة أو بعضها على الأقل، ولكنه أخذ يحسن الظن بابن العربي ويقلده،
فوقع في إنكار هذا الحديث الصحيح وذلك من شؤم التقليد بغير حجة ولا برهان.
بيد أن هذا مع بعده عن الصواب، والإنحراف عن التحقيق العلمي الصحيح، فإنه
هين بجانب قول صديقنا الأستاذ سعيد الأفغاني في تعليقه على قول الحافظ الذهبي
المتقدم في " سير النبلاء ": " هذا حديث صحيح الإسناد ":
" في النفس من صحة هذا الحديث شيء، ولأمر ما أهمله أصحاب الصحاح،