وجوابًا عليه أَقولُ: إِنَّ هذا الحديثَ مثالٌ صالحٌ للحديثِ الضعيفِ الّذي يتقوَّى بكثرةِ الطرقِ وبغيرِها؛ وهاك البيان:
أَوّلًا - إِنَّ كثيرًا من طرقِه ليسَ شديدَ الضعفِ، إنما ضعفها سوءُ حفظٍ في بعضِ رواتِها، كما هو حالُ الطريقِ الأُولى في الحديثِ رقم (١) ، ولذلك حسّنه جمعٌ من الحفّاظِ -كما تقدّمَ منّي هناك- وفيهم المنذري، وابن دقيق العيد -وهما من الشافعيّةِ- وأَخذَ به الإِمامُ أَحمدُ.
ومثلُ طريق إِسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد في الحديثِ الثالثِ عن ابن عمر، فإن إِسماعيلَ ثقةٌ ضُعِّفَ في غيرِ الشاميين، وقد قال الحاكمُ فيه:
"إِسماعيلُ بن عياش -على جلالتِه- إِذا انفردَ بحديث، لم يقبل منه، لسوء حفظِه".
قلت: فهو حجّة مقبول الحديث هنا؛ لأنّه قد توبعَ -كما ترى-.
ومثلُ طريقِ سويد بن سعيد في الحديث (٩) ، فإِنّه ثقة من شيوخِ مسلمٍ ولكنّه كانَ اختلطَ.
فهذه الطرقُ الثلاثُ ممّا يتقوى الحديثُ بها لانتفاءِ شدّةِ الضعف عنها، والطرقُ الأُخرى إِن لم تزدها قوّةً فلا تضرها كما لا يخفى.
ثانيًا - لقد صوّبَ الدارقطنيُّ -كما تقدّم- مرسلَ سليمان بن موسى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو تابعيٌّ حسنُ الحديثِ، والسندُ إِليه صحيح، فهو مرسلٌ قويٌّ، يحتجُّ به مطلقًا عند كثيرٍ من الفقهاءِ، وعند المحدثين -ومنهم الإِمامُ الشافعيُّ- إِذا جاءَ موصولًا من طريقٍ أُخرى، فكيفَ وقد جاءَ كذلك من طرقٍ كما تقدّمَ؟
ثالثًا - قد قال به بعضُ رواتِه من الصحابةِ؛ كابن عمر رضي الله عنه، فقد