فقه الحديث:
وإذ قد صح الحديث، فهو يدل على مسألتين من مسائل الفقه، اختلفت أنظار
العلماء فيها.
أما المسألة الأولى فهي: أن مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة؟ ذهب إلي الأول
الحنابلة. وحجتهم هذا الحديث، فإنه صريح في إلحاقهما بالرأس، وما ذلك إلا
لبيان أن حكمهما في المسح كحكم الرأس فيه. وذهب الجمهور إلي أن مسحهما سنة
فقط، كما في الفقه على المذاهب الأربعة (١ / ٥٦) . ولم نجد لهم حجة يجوز
التمسك بها في مخالفة هذا الحديث إلا قول النووي في " المجموع " (١ / ٤١٥)
إنه ضعيف من جميع طرقه! وإذا علمت أن الأمر ليس كذلك، وأن بعض طرقه صحيح لم
يطلع عليه النووي. والبعض الآخر صحيح لغيره، استطعت أن تعرف ضعف هذه الحجة
ووجوب التمسك بما دل عليه الحديث من وجوب مسح الأذنين وأنهما في ذلك كالرأس،
وحسبك قدوة في هذا المذهب إمام السنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل، وسلفه في
ذلك جماعة من الصحابة، تقدم تسمية بعضهم في أثناء تخريج الحديث، وقد عزاه
النووي (١ / ٤١٣) إلى الأكثرين من السلف.
وأما المسألة الأخرى فهي: هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس، أم لابد لذلك
من جديد؟ ذهب إلى الأول الأئمة الثلاثة كما في " فيض القدير " للمناوي فقال في
شرح الحديث:
" (الأذنان من الرأس) لا من الوجه ولا مستقلتان، يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء
جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء، بل يجزىء مسحهما ببلل ماء الرأس،
وإلا لكان بيانا للخلقة فقط، والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك،
وبه قال الأئمة الثلاثة ".