ولو لم يكن هناك إلاّ طريقته في تضعيف هذه الأَحاديثِ الثلاثة لكفى دلالةً على ما ذكرتُ، فكيفَ وهناكَ العشراتُ -إِن لم أَقل: المئات- التي أَعمَلَ فيها معولَ الهدمِ، على طريقةِ أهلِ الأَهواءِ قديمًا وحديثًا، ومنهم الإِباضيّة الذين يمجّد بهم السقافُ، ويعتمدُ على "مسندِ ربيعِهم"؟!
وقد رأيتُ لأَحدِ المعاصرين منهم "رسالة في الرفعِ والضمِّ في الصلاةِ" ذهبَ فيها إِلى تضعيفِ أَحاديث رفعِ اليدين في الصلاةِ، وهي متواترةٌ تواترًا معنويًّا، وأحاديث وضعِ اليمنى على اليسرى في القيامِ، وهي مشهورةٌ في "الصحيحين"، و"السنن" وغيرِها، بنفسِ أُسلوبِ ذاك الخالف، أكَتفي بذكرِ مثالين فقط:
ضعَّف حديث ابن عمر المتفق عليه في الرفعِ، بأنّه من روايةِ ابن شهاب الزهريّ؛ فقال (ص ١٨) :
"قال فيه الحافظُ الذهبيّ في الميزانِ: إِنّه كانَ يدلّسُ"!
ومع أنَّ الزهريَّ صرّحَ بالتحديثِ فِي بعضِ الرواياتِ، فقد دلّسَ الإِباضيُّ على القرّاءِ -كما يفعلُ أمثالُه من أَهلِ الأهواءِ- فأَسقطَ تمامَ كلامِ الذهبيّ:"في النادر"، وهذا ليس بجرحٍ كما هو معروف في علم المصطلح.
ثمَّ ضعّفَ حديثَ وائل بن حجر في وضعِ اليدين عند مسلم وغيرِه بقولِه (ص ٢٨) : إِنّه من روايةِ علقمةَ بن وائلٍ عن أبيه، قال ابن حجر في "التهذيب": علقمة لم يسمع من أبيه!
أَقولُ: ومع أنَّ هذا ليسَ من قولِ ابن حجر فيه، وإِنَّما هو نقلٌ منه لحكايةِ أَحدِهم ذلك عن ابن معين، وهي مقطوعةٌ، ومع ذلك فقد صرّحَ علقمةُ بالتحديثِ عن أَبيه في روايةِ النسائي، كما كنت بينتُه في "الصحيحة" تحت الحديثِ (٣١٧٦) .