وأمّا توثيقُ الحافظِ الذهبيّ والعسقلانيّ، فقد كتمهما عن القرّاءِ؛ لأَنّه لا جوابَ لديه إلاّ أَن يقول فيهما: إِنّهما مقلدان! واللهُ المسُتعانُ.
ولم يكتفِ الرَّجلُ بتضعيفِ الحديثين السابقين، بل أَلحقَ بهما حديثًا ثالثًا صحيحًا وقفَ في طريق هواه، وهو قول النبىّ - صلى الله عليه وسلم -:
" ... ومن قطع صفَّا قطعه الله"، وإِسناده صحيحٌ كما ذكرتُ هناك، وقد صححه جمعٌ كابن خزيمةَ والحاكمِ والمنذريّ والنوويّ والذهبيِّ والعسقلانيِّ، وأَعلّه ذاك العليلُ بإرسالِ الليثِ بنِ سعدٍ إِيّاه، وعدمِ ذكرِه في آخرِ الحديثِ جملةَ القطعِ هذه، مع أنَّ ابن وهبٍ قد أَسنده من حديثِ ابن عمر بالزيادةِ، وزيادةُ الثقةِ على الثقةِ مقبولةٌ اتفاقًا، ولم يخالف في ذلك إلاّ هذا الخالف! ثمَّ حاولَ النيلَ من إِسنادِه، وتضعيفَه مسندًا ومرسلاً بمعاويِةَ بن صالحٍ، فقال:"وقد اختلف فيه، والذي يظهرُ من أَقوالِ الأَئمةِ أَنّه وسط، أو أَقل من الوسطِ..".
فليتأمل القرّاءُ كيفَ لا يستقرُّ على حُكمٍ:"وسط، أَو أَقل من الوسط" توصلاً منه إِلى تضعيفِ الحديث من أَصلِه، مع أنَّ معاويةَ احتجَّ به مسلم، وعليه استقرَّ رأيُ كافّة الحفّاظِ المتأخرين الذين هم أَعلمُ بالخلافِ الّذي حكاه، ولذلك تتابعوا على تصحيح حديثِه، وقال الحافظُ الذهبيُّ في ترجمتِه من "السير"(٧/١٥٨) :
"الإِمامُ الحافظُ الثقةُ قاضى الأَندلس.. وكانَ من أَوعيةِ العلمِ".
كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهنَها ... فلم يَضِرْها وأَوهى قرنَه الوعلُ
وبالجملةِ؛ لقد تيقنتُ من متابعتي لتضعيفاتِه الظالمةِ للأَحاديثِ الصحيحةِ الثابتةِ عند حفّاظِ الأُمّةِ - أَنَّ الرَّجل مغرمٌ بالمخُالفةِ والمشاكسةِ، وعدمِ الاعتدادِ بقواعدِهم وأَحكامِهم، مُتشبِّثًا بأَوهى العللِ، ولو كانت كخيوطِ القمرِ!