والآخر: أنه لو نقله عني لوجب عليه أن ينقله كما هو عندي، فقد كنت صرحت هناك قائلًا:"بإسناد جيد" كما رأيت!
فتعمد كتم ذلك عن قرائه، لأنه لا يريد أن يلقي في أذهانهم وقلوبهم أنه مرسل جيد! لأن ذلك يتنافى مع الخط الذي خطه لنفسه، وهو تضعيفه للحديث!
وهنا لا بد لي من وقفة معه عند هذا المرسل وما فعل به من محاولة إسقاط الاستشهاد به بادعاء الاضطراب في إسناده، فإنه يعلم، أو لعله يعلم أن الحديث المرسل إذا جاء مسندًا من طريق أخرى ولو ضعيفة أنه يتقوى بمجموعهما عند الإِمام الشافعي وابن تيمية وغيرهما (١) ، فلكي لا يرد عليه أنه يتقوى هذا المرسل بمسند زافر بن سليمان اتخذ لنفسه خط الرجعة، فذهب يُحوِّش من هنا وهناك عدة روايات معلقات في بعضها ذكر ربعي بن حراش مكان مجاهد -وهذا هو المحفوظ- وفي بعضها: ربعي بن حراش عن الربيع ابن خُثيم، (ووقع عنده في أكثر من موضع: خيثم!) لم يجاوز إبراهيم، إلى غير ذلك من الروايات التي لا سنام لها ولا خطام، ثم خلص إلى القول (ص ٥٠) :
"بهذه الطرق يتبين أن هذا المرسل فيه اضطراب واضح، وهذا مما يقدح في صحة هذا الطريق"!
كذا قال هداه الله. وهذا وحده كاف ليدل على أن الرجل ليس أهلًا للبحث في هذا العلم؛ فضلًا عن أن يتولى الرد على من لا يدانيه فيه! ذلك لأن الحديث المضطرب عند أهل العلم هو الذي جاء على وجوه مختلفة
(١) كالحافظ ابن جر، فانظر كلامه في "النكت على ابن الصلاح" (٢/٥٦٦-٥٦٧) .