فهذه الثلاث الطرق يمكن الاستدلال بها على شيء كثير من المسائل المتعلقة البصلاة، إلا أن على طالب التحقيق في هذا ثلاث وظائف: إحداها: أن يجمع طرق هذا الحديث، ويحصي الأمور المذكورة فيه، ويأخذ بالزائد فالزائد، فإن الأخذ بالزائد واجب. وثانيها: إذا قام دليل على أحد الأمرين إما على عدم الوجوب أو الوجوب، فالواجب العمل به مالم يعارضه ما هو أقوى منه. وهذا في باب النفي يجب التحرز فيه أكثر فلينظر عند التعارض اقوى الدليلين فيعمل به. وعندنا أنه إذا استدل على عدم وجوب شيء بعدم ذكره في الحديث، وجاءت صيغة الأ/ر به في حديث أخر، فالمقدم صيغة الأمر. وقد علق الإمام الشوكاني –رحمه الله- في نيل الأوطار ٢/٢٩٨ على قوله: فالمقدم صيغة الأمر إذا جاءت في حديث آخر، فقال: وأما قوله: إنها تقدم صيغة الأمر إذا جاءت في حديث آخر وأختياره لذلك من دون تفصيل، فنحن لا نوافقه، بل نقول: إذا جاءت صيغة أمر قاضية بوجوب زائد على ما في هذا الحديث، فإن كانت متقدمة على تاريخ، كان صارفاً لها إلى الندب، لأن اقتصاره صلى الله عليه وسلم في التعليم على غيرها، وترك لها من أعظم المشعرات بعدم وجوب ما تضمنته، لما تقرر من أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وإن كانت متأخرة عنه، فهو غير صالح لصرفها، لان الواجبات الشرعية ما زالت تتجدد وقتاً فوقتاً، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على الخمس المذكورة في حديث ضمام بن ثعلبة وغيره، أعني الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والشهادتين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها في مقام التعليم والسؤال عن جميع الواجبات، واللازم باطل، فالملزوم مثله، وإن كانت صيغة الامر الواردة بوجوب زيادة على هذا الحديث غير معلومة التقدم عليه، ولا التأخر، ولا المقارنة، فهذا محل الإشكال، ومقام الاحتمال، والأصل عدم الوجوب، والبراءة منه، حتى يقوم دليل يوجب الانتقال عن الأصل، والبراءة، ولا شك ان الدليل المفيد للزيادة على حديث المسيء إذا التبس تاريخه محتمل لتقدمه عليه =