ومنها جواز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر، فإن القوم كانوا مقتدين بأبي بكر، ثم ائتموا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ في "الفتح" ٤/١٦٩: وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين، أحدهما بعد الآخر، وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره، وانه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو، ويصير النائب مأموم من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين، وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم، ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز، وعن ابن القاسم في الإمام يحدث فيستحلف، ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة. وتعقبه الزرقاني في "شرح الموطأ" ١/٣٣٢ فقال: وهو تحامل، فإن ابن عبد البر لم يدع ذلك، ولم يطلق الإجماع إنما قال: هذا موضع خصوص عند جمهور العلماء، لا أعلم بينهم خلافاً أن المأمومين في صلاة واحدة من غير عذر حدث يقطع صلاة الإمام ويوجب استخلافه لا يجوز، وفي إجماعهم على هذا دليل على خصوص هذا الموضع لفضله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا نظير له في ذلك، ولأن الله أمر أن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله، وهذا على عمومه في الصلاة والفتوى والأمور كلها، ألا ترى إلى قول أبي بكر: ما كان لابن أبي قحافة ... وفضيلة الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم لا يجهلها مسلم، ولا يلحقها أحد، وأما سائر الناس، فلا ضرورة بهم إلى ذلك، لأن الأول والثاني سواء ما لم يكن عذر وموضع الخصوص من هذا الحديث استئخار الإمام لغيره من غير حدث يقطع الصلاة، ثم ذكر ما نقل عن ابن القاسم من رواية عيسى عنه، فأنت تراه قيد الخصوصية بقوله: عند جمهور العلماء، فهو نقل لا دعوى، فقوله: "وفي إجماعهم" يعني إجماع الجمهور لا مطلقاً، كما فهم المعترض. وممن سبقه إلى عد ذلك خصوصية يحيى بن عمر، راداً به على قول ابن القاسم، وقال الباجي: إنه الأظهر.