قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جوز الكذب لقصد الإصلاح، وقالوا: إن الثلاث المذكورة كالمثال، وقالوا: الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة، أو ما ليس فيه مصلحة.= =وقال آخرون لا يجوز الكذب في شيء مطلقا، وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض، كمن يقول للظالم: دعوة لك أمس، وهو يريد قوله اللهم اغفر للمسلمين، ويعد امرأته بعطية شيء، ويريد: إن قدر الله ذلك، وأن يظهر من نفسه قوة قلت: وبالأول جزم الخطابي وغيره، وبالثاني جزم المهلب والأصيلي وغيرهما. قال أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن"٤/١٢٣ ـ ١٢٤، ونقله عنه البغوي في شرح "السنة"١٣/١١٩: هذه أمور قد يضطر الإنسان فيها إلى زيادة القول، ومجاوزة الصدق طالبا للسلامة ورفعاً للضرر، وقد رخص في بعض الأحوال في اليسير من الفساد، لما يؤمل فيه من الصلاح، فالكذب في الإصلاح بين إثنين: هو أن ينمي من أحدهما إلى صاحبه خيراً، ويبلغه جميلاً، إن لم يكن سمعه منه، يريد بذالك الإصلاح، والكذب في الحرب: هو أن يظهر من نفسه قوة، ويتحدث بما يقوي أصحابه، ويكيد به عدواً، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه أنه قال: "الحرب خدعة" متفق عليه"، وأما كذب الرجل زوجته فهو أن يَعِدَها ويمنيها، ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه، يستديم بذلك صحبتها، ويستصلح بها خُلقها، والله أعلم. وقال سفيان بن عيينة: لو أن رجلا اعتذر إلى رجل، فحرف الكلام وحسنه ليرضيه بذلك، لم يكن كاذباً، يتأول الحديث "ليس بالكاذب من==