للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= تعلقه بالسبب الذي هو بمنزلة الأصل أرجحُ وأقوى، والفَلْجُ قد يقع مع المعارضة بالترجيح كما يقع بالبرهان الذي لا معارض له، والله أعلم.
وقال ابن عبد البر: هذا عندي مخصوص بآدم، لأنَّ المناظرة بينهما وقعت بعد أن تاب الله على آدم قطعاً كما قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} فحسن منه أن يُنْكِرَ على موسى لومه على الأكل من الشجرة، لأنه كان قد تِيْبَ عليه من ذلك، وإلَاّ فلا يجوز لأحد أن يقول لمن لامه على ارتكاب معصيته، كما لو قتل أو زنى أو سرق: هذا سبق في علم الله وقدره علي قبل أن يخلقني، فليس لك أن تلومني عليه، فإن الأمة أجمعت على جواز لوم من وقع منه ذلك، بل على استحباب ذلك، كما أجمعوا على استحباب محمدة من واظب على الطاعة، وحكى ابن وهب في كتاب "القدر" عن مالك، عن يحيى بن سعيد أن ذلك كان من آدم بعد أن تِيبَ عليه.
وقال الإمام ابن أبي العز في "شرحه للعقيدة الطحاوية" ١/١٣٦ نشر مؤسسة الرسالة عن هذا الحديث: نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة، لصحته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نتلقاه بالرد والتكذيب لراويه، كما فعلت القدرية، ولا بالتأويلات الباردة، بل الصحيح أن آدم لم يحتج بالقضاء والقدر على الذنب، وهو كان أعلم بربه وذنبه، بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يحتج بالقدر، فإنه باطل، وموسى عليه السلام كان أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم عليه السلام على ذنب قد تاب منه وتاب الله عليه، واجتباه وهداه، وإنما وقع اللوم على المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم عليه السلام بالقدر على المصيبة، لا على الخطيئة، فإن القدر يُحتج به عند المصائب، لا عند المعايب.
وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث، فما قدر من المصائب يجب الاستسلام له، فإنه من تمام الرض بالله ربَّاً، وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب، وإذا أذنب، فعليه أن يستغفر ويتوب، فيتوب من المعايب ويصبر على =

<<  <  ج: ص:  >  >>