وقوله: "لا يجاوز حناجرهم" يعني: أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها، وقيل: لا تفقهه قلوبهم، ويحملونه على غير المراد به، فلا حظ لهم من هـ إلا مروره على لسانهم لا يصل إلى حلوقهم فضلا عن أن يصل على قلوبهم، فلا يتدبروه أبدا. وقال ابن عبد البر: وكانوا لتكفيرهم الناس لا يقبلون خبر أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعرفوا بذلك شيئا من سنته وأحكامه المبينة لمجمل القرآن، والمخبرة عن مراد الله تعالى في خطابه، ولا سبيل إلى المراد بها إلا ببيان رسوله، ألا ترى إلى قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} والصلاة والزكاة والحج والصوم، وسائر الأحكام إنما ذكرت في القرآن مجملة بينتها السنة، فمن لم يقبل أخبار العدول ضل وصار في عمياء. قلت: ذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة –كما في "الفتح" ١٢/٣١٣_٣١٤ - إلى أن الخوارج فساق، وان حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى التأويل الفاسد، وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم، والشهادة عليهم بالكفر والشرك. وقال الخطابي: أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين، وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام. وقال الإمام الغزالي في "فيصل التفرقة": والذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة دم المصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد. قلت: أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" ١٥/٣٣٢بإسناد صحيح عن طارق بن شهاب، قال: كنت عند علي، فسئل عن أهل النهر "يعني: الخوارج" أهم مشركون؟ قال: من الشرك فروا، قيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل له: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا. وانظر "شرح مسلم" للنووي ٧/١٦٠.