قلت: قال الإمام أبو سليمان الخطابي فيما نقله عنه البغوي في "شرح السنة"١٥/٧٤ - ٧٥: وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا شديدا، وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول، وقد يسأل عن هذا، فيقال: كيف يقر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعي النبوة كاذبا، ويتركه بالمدينة يساكنه في داره، ويجاوره فيها، وما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان، وقوله بعد ذلك "اخسأ فلن تعدو قدرك"؟!. قال أبو سليمان: والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفائهم، وذلك بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتابا صالحهم فيه على أن لا يهاجموا، وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم، أو دخيلا في جملتهم، وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة، ويتعاطاه من الغيب، فامتحنه صلى الله عليه وسلم بذلك ليروز به أمره، ويخبر به شأنه، فلما كلمه، علم أنه مبطل، وأمه من جملة السحرة والكهنة، أو ممن يأتيه رِئى من الجن، أو يتعاهده الشيطان، فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قوله الدخ، زبره، فقال: "اخسأ فلن تعدو قدرك" يريد أن ذلك شيء اطلع عليه الشيطان فألقاه إليه، وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحي السماوي، إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين أوحى الله إليهم من علم الغيب، ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم، فيصيبون بنور قلوبهم الحق، وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها، ويخطئ في بعض، وذلك معنى قوله: يأتيني صادق وكاذب فقال له عند ذلك: "خلط عليك". فالجملة من أمره أنه كان فتنة امتحن الله به عباده المؤمنين، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة} وقد امتحن قوم موسى عليه السلام في زمانه بالعجل، فافتتن به قوم وهلكوا، ونجا من هداه الله وعصمه منهم. =