أزرهم فِي أَعْنَاقهم من ضيق الأزر خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة كأمثال الصّبيان فَقَالَ قَائِل يَا معشر النِّسَاء لَا ترفعن رؤسكن حَتَّى يرفع الرِّجَال ". (ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله " عَن سُفْيَان " قد ذكرنَا أَنه الثَّوْريّ وَقَالَ الْكرْمَانِي يحْتَمل أَن يكون سُفْيَان بن عُيَيْنَة لِأَنَّهُمَا يرويان عَن أبي حَازِم (قلت) نَص الْمزي فِي الْأَطْرَاف أَنه سُفْيَان الثَّوْريّ قَوْله " كَانَ رجال " قَالَ الْكرْمَانِي التنكير فِيهِ للتنويع أَو للتَّبْعِيض أَي بعض الرِّجَال وَلَو عرفه لأفاد الِاسْتِغْرَاق وَهُوَ خلاف الْمَقْصُود وَتَبعهُ بَعضهم فِي شَرحه فَقَالَ التنكير فِيهِ للتنويع وَهُوَ يَقْتَضِي أَن بَعضهم كَانَ بِخِلَاف ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك (قلت) مَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد الْمَذْكُورَة يرد مَا ذكرَاهُ لِأَن فِي رِوَايَته رَأَيْت الرِّجَال بالتعريف قَوْله " يصلونَ " خبر كَانَ قَوْله " عاقدي أزرهم " أَصله عاقدين أزرهم فَلَمَّا أضيف سَقَطت النُّون وَهِي حَال وَيجوز أَن يكون انتصابه على أَنه خبر كَانَ وَيكون قَوْله " يصلونَ " فِي مَحل النصب على الْحَال قَوْله " كَهَيئَةِ الصّبيان " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " كأمثال الصّبيان " كَمَا ذكرنَا وَالْمعْنَى قريب. وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ أَن الثَّوْب إِذا كَانَ يُمكن الالتحاف بِهِ كَانَ أولى من الاتزار بِهِ لِأَنَّهُ أبلغ فِي السّتْر
(وَيُقَال للنِّسَاء لَا ترفعن رؤسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا) قَالَ الْكرْمَانِي أَي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " فَقَالَ قَائِل يَا معشر النِّسَاء " كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن وَهَذَا الْقَائِل أَعم من أَن يكون النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو غَيره وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الْكشميهني " وَيُقَال للنِّسَاء " وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ " فَقيل للنِّسَاء " وروى أَبُو دَاوُد ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر " سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول من كَانَ مِنْكُن تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا ترفع رَأسهَا حَتَّى يرفع الرِّجَال رُؤْسهمْ كَرَاهِيَة أَن تَرين عورات الرِّجَال " وَهَذَا فِيهِ التَّصْرِيح بِأَن الْقَائِل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " لَا ترفعن " أَي من السُّجُود قَوْله " جُلُوسًا " أما جمع جَالس كالركوع جمع رَاكِع وَأما مصدر بِمَعْنى جالسين وعَلى كل حَال انتصابه على الْحَال وَإِنَّمَا نهى عَن رفع رُؤْسهنَّ قبل جُلُوس الرِّجَال خشيَة أَن يلمحن شَيْئا من عورات الرِّجَال عِنْد الرّفْع مِنْهُ
٧ - (بابُ الصَّلَاةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّامِيَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْجُبَّة الشامية، والجبة، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة. هِيَ الَّتِي تلبس، وَجَمعهَا جباب، والشامية. نِسْبَة إِلَى الشَّام، وَهُوَ الإقليم الْمَعْرُوف دَار الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام. وَيجوز فِيهِ الْألف والهمزة الساكنة، وَالْمرَاد بالجبة الشامية هِيَ: الَّتِي تنسجها الْكفَّار، وَإِنَّمَا ذكره بِلَفْظ الشامية مُرَاعَاة للفظ الحَدِيث. وَكَانَ هَذَا فِي غَزْوَة تَبُوك، وَالشَّام إِذْ ذَاك كَانَت بِلَاد كفر، وَلم تفتح بعد، وَإِنَّمَا أولنا بِهَذَا لِأَن الْبَاب مَعْقُود لجَوَاز الصَّلَاة فِي الثِّيَاب الَّتِي تنسجها الْكفَّار مَا لم تتَحَقَّق نجاستها. وقالَ الحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا المجُوسُ لَمْ يَرَ بِهَا بَأَساً.
الْحسن: هُوَ الْبَصْرِيّ، وَوَصله نعيم بن حَمَّاد، وَعَن مُعْتَمر عَن هِشَام عَنهُ. وَلَفظه: (لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوْب الَّذِي ينسجه الْمَجُوس قبل أَن يغسل) . وروى أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن فِي كتاب (الصَّلَاة) تأليفه: عَن الرّبيع، (عَن الْحسن: لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِي رِدَاء الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ) . قَوْله: (الْمَجُوس) جمع الْمَجُوسِيّ، وَهُوَ معرفَة سَوَاء كَانَ محلى بِالْألف وَاللَّام أم لَا، وَالْأَكْثَر على أَنه يجْرِي مجْرى الْقَبِيلَة لَا مجْرى الْحَيّ فِي بَاب الصّرْف، وَفِي بعض النّسخ: ينسجها الْمَجُوسِيّ، بِالْيَاءِ، وَالْجُمْلَة صفة للثياب، والمسافة بَين النكرَة والمعرفة بلام الْجِنْس قَصِيرَة، فَلذَلِك وصفت الْمعرفَة بالنكرة. كَمَا وصف اللَّئِيم بقوله: يسبني فِي قَول الشَّاعِر:
(وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني)
وَفِي بعض النّسخ: (فِي ثِيَاب ينسجها الْمَجُوس) بتنكير الثِّيَاب، وعَلى هَذِه النُّسْخَة لَا يحْتَاج إِلَى مَا ذكرنَا، وينسج من بَاب: ضرب يضْرب، وَمن بَاب: نصر ينصر، وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِكَسْر السِّين. قَوْله: (لم ير) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي: لم ير الْحسن. وَقَالَ الْكرْمَانِي: (لم ير) بِلَفْظ الْمَجْهُول، أَي: الْقَوْم، فعلى الأول يكون من بَاب التَّجْرِيد، كَأَنَّهُ جرد عَن نَفسه شخصا فأسند إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute