أَن صعوبة الْحمل والوضع وَالرّضَاع والتربية تنفرد بهَا الْأُم وتشقى بهَا دون الْأَب، فَهَذِهِ ثَلَاث منَازِل يَخْلُو مِنْهَا الْأَب، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يدل على أَن طَاعَة الْأُم مُقَدّمَة وَهُوَ حجَّة على من خَالفه، وَزعم المحاسبي أَن تَفْضِيل الْأُم على الْأَب فِي الْبر وَالطَّاعَة هُوَ إِجْمَاع الْعلمَاء، وَقيل لِلْحسنِ: مَا بر الْوَالِدين؟ قَالَ: تبذل لَهما مَا ملكت وتطعيهما فِيمَا أمراك مَا لم يكن مَعْصِيّة.
قَوْله: (قَالَ ابْن شبْرمَة) أَي: قَالَ عبد الله بن شبْرمَة قَاضِي الْكُوفَة عَم عمَارَة كَمَا ذكرنَا، وَيحيى بن أَيُّوب حفيد أبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير شَيْخه فِي هَذَا الحَدِيث كِلَاهُمَا رويا بِالتَّعْلِيقِ عَن أبي زرْعَة الْمَذْكُور. قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأما تَعْلِيق ابْن شبْرمَة فوصله مُسلم عَن أبي شيبَة: حَدثنَا شريك عَن عمَارَة وَابْن شبْرمَة عَن أبي زرْعَة فَذكره، وَأما تَعْلِيق يحيى بن أَيُّوب فوصله الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيثه عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن حَفْص: حَدثنَا سهل بن حَمَّاد حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب عَن أبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير حَدثنَا جدي أَبُو زرْعَة بِهِ.
٣ - (بابٌ لَا يجاهِدُ إلَاّ بإذْنِ الأبَوَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يُجَاهد الرجل إلَاّ بِإِذن أَبَوَيْهِ.
٥٩٧٢ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ وشُعْبَةَ، قَالَا: حَدثنَا حَبِيبُ.
(ح) قَالَ: وَحدثنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِير أخْبَرنا سُفْيانُ عَنْ حَبِيب عَنْ أبِي العَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ قَالَ: قَالَ رجُلٌ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجاهِدُ؟ قَالَ: لَكَ أبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ففِيهِما فَجاهِدْ. (انْظُر الحَدِيث ٣٠٠٤) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أمره بِالْجِهَادِ إلَاّ فِي أَبَوَيْهِ، فيفهم مِنْهُ أَنه لَا يُجَاهد إلَاّ إِذا أذنا لَهُ بِالْجِهَادِ فيجاهد فَيكون جهاده مَوْقُوفا على إذنهما.
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج كِلَاهُمَا يرويان عَن حبيب بن أبي ثَابت. الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن حبيب عَن أبي الْعَبَّاس السَّائِب الشَّاعِر الْمَكِّيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْجِهَاد بِإِذن الْأَبَوَيْنِ.
قَوْله: (ففيهما فَجَاهد) ، الْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بمقدور وَهُوَ: جَاهد، وَالْمَذْكُور مُفَسّر لَهُ وَتَقْدِيره: إِن كَانَ لَك أَبَوَانِ فَجَاهد فيهمَا.
٤ - (بابٌ لَا يَسُبُّ الرَّجُلُ والدَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يسب الرجل وَالِديهِ، وَهَذَا الْإِسْنَاد مجازي لِأَنَّهُ صَار سَببا لسب وَالِديهِ.
٥٩٧٣ - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ حُمَيْد بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ رَضِي الله عنهُما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ مِنْ أكْبَرِ الكَبائِرِ أنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والدَيْهِ. قيل: يَا رسولَ الله! وكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ ويَسُبُّ أُمَّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من معنى الحَدِيث. وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَسعد يروي عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَآخَرين. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن زِيَاد وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: (من أكبر الْكَبَائِر أَن يلعن الرجل وَالِديهِ) ، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: (من الْكَبَائِر أَن يشْتم الرجل وَالِديهِ) ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن سبّ الرجل وَالِديهِ كَبِيرَة، وَرِوَايَة البُخَارِيّ تَقْتَضِي أَنه من أكبر الْكَبَائِر وَبَينهمَا فرق من حَيْثُ إِن الْكَبَائِر مُتَفَاوِتَة وَبَعضهَا أكبر من بعض، وَهُوَ قَول الْعلمَاء، وعد أكبر الْكَبَائِر فِي حَدِيث أبي بكرَة على مَا يَجِيء ثَلَاثَة: الْإِشْرَاك بِاللَّه وعقوق الْوَالِدين وَقَول الزُّور، وَهُوَ شَهَادَة الزُّور وَاقْتصر فِي أكبر الْكَبَائِر على هَذِه الثَّلَاثَة، وَزَاد فِي حَدِيث بُرَيْدَة رَوَاهُ الْبَزَّار: منع فضل المَاء وَمنع الفجل، فَصَارَ كل ذَلِك خَمْسَة، وروى التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي أُمَامَة عَن