للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تقبل. وَعَن مَالك: إِذا ظهر عَلَيْهِ لم تقبل تَوْبَته، كالزنديق، فَإِن تَابَ قبل أَن يظْهر عَلَيْهِ وَجَاء تَائِبًا قبلناه، وَلم نَقْتُلهُ فَإِن قتل بسحره قتل. وَقَالَ الشَّافِعِي: فَإِن قَالَ: لم أتعمد الْقَتْل فَهُوَ مخطىء تجب عَلَيْهِ الدِّيَة.

النَّوْع السَّادِس: هَل يسْأَل السَّاحر حل سحره؟ فَأَجَازَهُ سعيد بن الْمسيب فِيمَا نَقله عَنهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ عَامر الشّعبِيّ: لَا بَأْس بالنشرة، وَكره ذَلِك الْحسن الْبَصْرِيّ. وَفِي (الصَّحِيح) عَن عَائِشَة، قَالَت: يَا رَسُول الله! هلا تنشرت؟ فَقَالَ: الله فقد شفاني وخشيت أَن أفتح على النَّاس شرا. وَحكى الْقُرْطُبِيّ عَن وهب، قَالَ: يُؤْخَذ سبع وَرَقَات من سدر فتدق بَين حجرين ثمَّ يضْرب بِالْمَاءِ، وَيقْرَأ عَلَيْهَا آيَة الْكُرْسِيّ، وَيشْرب مِنْهَا المسحور ثَلَاث حسوات، ثمَّ يغْتَسل بباقيه، فَإِنَّهُ يذهب مَا بِهِ، وَهُوَ جيد للرجل الَّذِي يُؤْخَذ عَن امْرَأَته. قلت: النشرة، بِضَم النُّون: ضرب من الرّقية، والعلاج يعالج بِهِ من كَانَ يظنّ أَن بِهِ مساس الْجِنّ، سميت نشرة لِأَنَّهُ ينشر بهَا عَنهُ مَا خامره من الدَّاء، أَي: يكْشف ويزال.

وَفِيه: التولي يَوْم الزَّحْف، وَهُوَ حجَّة على الْحسن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله: كَانَ الْفِرَار كَبِيرَة يَوْم بدر، لقَوْله تَعَالَى: {وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره} (الْأَنْفَال: ٦١) . وَفِيه: قذف الْمُحْصنَات، وَقد ورد الْإِحْصَان فِي الشَّرْع على خَمْسَة أَقسَام: الْإِسْلَام والعفة وَالتَّزْوِيج وَالْحريَّة وَالنِّكَاح. وَقَالَ أَصْحَابنَا: إِحْصَان الْمَقْذُوف بِكَوْنِهِ مُكَلّفا أَي عَاقِلا بَالغا حرا مُسلما عفيفاً عَن زنا، فَهَذِهِ خمس شَرَائِط يدْخل تَحت قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} (النُّور: ٤) . فَإِذا فُقد وَاحِد مِنْهَا لَا يكون مُحصنا.

٤٢ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {ويَسْألُونَكَ عنِ اليَتَامَى قُلْ إصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وإنْ تخالِطُوهُم فاخْوَانكُمْ وَالله يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ ولَوْ شاءَ الله لأعْنَتَكُمْ إنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الْبَقَرَة: ٠٢٢) .)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {ويسألونك} (الْبَقَرَة: ٠٢٢) . وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع حَدثنَا جرير عَن عَطاء ابْن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما نزلت: {لَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إلَاّ بِالَّتِي هِيَ أحسن وَإِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما ... } (النِّسَاء: ٠١) . الْآيَة، انْطلق من كَانَ عِنْده يَتِيم يعْزل طعامة من طَعَامه وَشَرَابه من شرابه، فَجعل يفضل لَهُ الشَّيْء من طَعَامه فَيحْبس لَهُ حَتَّى يَأْكُلهُ أَو يفْسد، فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِم، فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأنْزل الله: {ويسألونك عَن الْيَتَامَى؟ قل: إصْلَاح لَهُم خير وَإِن تخالطوهم فإخوانكم} (الْبَقَرَة: ٠٢٢) . فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من طرق عَن عَطاء بن السَّائِب بِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَكَذَا رَوَاهُ السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود بِمثلِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ غير وَاحِد فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة، كمجاهد وَعَطَاء وَالشعْبِيّ وَابْن أبي ليلى وَقَتَادَة وَغير وَاحِد من السّلف وَالْخلف. قَوْله: {قل إصْلَاح لَهُم خير} (الْبَقَرَة: ٠٢٢) . أَي: على حِدة: {وَإِن تخالطوهم فإخوانكم} (الْبَقَرَة: ٠٢٢) . أَي: وَإِن خلطتم طَعَامكُمْ بطعامهم وشرابكم بشرابهم فَلَا بَأْس عَلَيْكُم، لأَنهم إخْوَانكُمْ فِي الدّين، وَلِهَذَا قَالَ: {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} (الْبَقَرَة: ٠٢٢) . أَي: يعلم من قَصده وَنِيَّته الْإِفْسَاد أَو الْإِصْلَاح. وَيُقَال: وَإِن تخالطوهم أَي: فِي الطَّعَام وَالشرَاب وَالسُّكْنَى واستخدام العبيد فإخوانكم. وَقَالُوا لرَسُول الله: بقيت الْغنم لَا راعي لَهَا، وَالطَّعَام لَيْسَ لَهُ صانع، فَنزلت، وَنسخ ذَلِك. قَوْله: {وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم} (الْبَقَرَة: ٠٢٢) . أَي: لَو شَاءَ لضيق عَلَيْكُم وأحرجكم، وَلكنه وسع عَلَيْكُم وخفف عَنْكُم وأباح لكم مخالطتهم بِالَّتِي هِيَ أحسن، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وعَلى هَذَا اجْتِمَاع الرّفْقَة فِي السّفر على خلط المَال، ثمَّ اتِّخَاذ الْأَطْعِمَة بِهِ، وَتَنَاول الْكل مِنْهَا مَعَ وهم التَّفَاوُت، فَرخص لَهُم اسْتِدْلَالا بِهَذِهِ الْآيَة.

لأعْنَتَكُمْ لأحْرَجَكُمْ وضَيَّقَ علَيْكُمْ. وعَنَتْ خَضَعَتْ

هَذَا تَفْسِير ابْن عَبَّاس أخرجه ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَزَاد بعد قَوْله: ضيق عَلَيْكُم، وَلكنه وسع وَيسر. قَوْله: (لأعنتكم) من الإعنات، واشتقاقه من: الْعَنَت، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق والهمزة فِيهِ للتعدية أَي: لأوقعكم فِي الْعَنَت، وَهُوَ: الْمَشَقَّة، وَيَجِيء بِمَعْنى الْفساد والهلاك وَالْإِثْم والغلط وَالْخَطَأ وَالزِّنَا، كل ذَلِك قد جَاءَ، وَيسْتَعْمل كل وَاحِد بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْكَلَام. قَوْله: (وعنت: خضعت) ، لَيْسَ لَهُ دخل هُنَا، لِأَن التَّاء فِيهِ للتأنيث، ومذكره

<<  <  ج: ص:  >  >>