وَعند أهل اللُّغَة الثَّبَات الْجَمَاعَات فِي تَفْرِقَة، أَي: حَلقَة حَلقَة كل جمَاعَة ثبة، والثبة مُشْتَقَّة من قَوْلهم: ثبيت الرجل إِذا أثنيت عَلَيْهِ فِي حَيَاته، لِأَنَّك كَأَنَّك قد جمعت محاسنه. وَقَالَ أَبُو عمر: والتثبية: الثَّنَاء على الرجل فِي حَيَاته. قَوْله: (ثبات سَرَايَا مُتَفَرّقين) أَحْوَال، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْحسن الْقَابِسِيّ: ثباتاً، بِالنّصب، وَهُوَ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم مثل: الهندات، وَالنّصب والجر فِيهِ سَوَاء، والسرايا جمع: سَرِيَّة، وَهِي من يدْخل دَار الْحَرْب مستخفياً. قَوْله: (وَيُقَال وَاحِد الثَّبَات: ثبة) لَا طائل تَحْتَهُ، لِأَن هَذَا مَعْلُوم قطعا أَن ثبات جمع ثبة، وَأما الثبة الَّتِي بِمَعْنى وسط الْحَوْض فَلَيْسَ من بَاب ثبة الَّذِي بِمَعْنى الْجَمَاعَة، لِأَن أصل هَذِه: ثوب، وَهُوَ أجوف واوي، فَلَمَّا حذفت الْوَاو عوض عَنْهَا الْهَاء وَسمي: وسط الْحَوْض بذلك، لِأَن المَاء يثوب إِلَيْهِ أَي: يرجع.
٥٢٨٢ - حدَّثنا عَمرُو بنُ عَلِيٍّ قَالَ حدَّثنا يَحْيى قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثني مَنْصُورٌ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ طَاوُسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولاكِنْ جِهادٌ ونِيَّة وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفُرُوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة) ، وَعَمْرو بن عَليّ بَحر بن يحيى بن كثير أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب فضل الْجِهَاد بِهَذَا الْإِسْنَاد، غير أَن شَيْخه هُنَاكَ: عَليّ بن عبد الله، وَهنا: عَمْرو بن عَليّ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
٨٢ - (بابُ الكَافِرِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ يُسْلِمُ فَيُسَدِّدُ بَعْدُ ويُقْتَلُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْكَافِر الَّذِي يقتل الْمُسلم ثمَّ يسلم، بِضَم الْيَاء أَي: الْقَاتِل. قَوْله: (فيسدد) بِالسِّين الْمُهْملَة أَي: يسدد دينه يَعْنِي: يَسْتَقِيم. قَوْله: (بعدُ) بِضَم الدَّال أَي: بعد قَتله الْمُسلم. قَوْله: (ويُقتل) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: أَو يقتل، وَعَلَيْهَا اقْتصر ابْن بطال والإسماعيلي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو ثمَّ يصير مقتولاً، وَالْجَوَاب فِيهِ يفهم من الحَدِيث، وَلم يذكرهُ اكْتِفَاء بِهِ.
٦٢٨٢ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبرنَا مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَضْحِكُ الله إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أحدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ يُقَاتِلُ هذَا فِي سَبيلِ الله فيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ الله عَلى القَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة كالشرح لِمَعْنى الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن الْمَذْكُور فِيهَا: فيسدد، وَفِي الحَدِيث (فيستشهد) وَالشَّهَادَة إِنَّمَا تعْتَبر على وَجه التسديد، وَهُوَ الاسْتقَامَة فِيهَا. وَقَالَ بَعضهم: يظْهر لي أَن البُخَارِيّ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى مَا أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم من طَرِيق أُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّار مُسلم قتل كَافِرًا ثمَّ سدد الْمُسلم وقارب ... الحَدِيث. انْتهى. قلت: التَّرْجَمَة لَا تكون إلَاّ بِمَا يدل على شَيْء من الحَدِيث الَّذِي وضعت التَّرْجَمَة لَهُ، فَكيف تكون التَّرْجَمَة هُنَا والْحَدِيث فِي كتاب آخر أخرجه غَيره؟ والإسناد الْمَذْكُور بِعَين هَؤُلَاءِ الرِّجَال قد ذكر غير مرّة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي النعوت عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يضْحك الله) ، الضحك وَأَمْثَاله إِذا أطلقت على الله يُرَاد بهَا لوازمها مجَازًا، ولازم الضحك الرِّضَا. وَقَالَ الْخطابِيّ: الضحك الَّذِي يعتري الْبشر عِنْدَمَا يستخفهم الْفَرح أَو يستفزهم الطَّرب غير جَائِز على الله، عز وَجل وَإِنَّمَا هُوَ مثل ضربه لهَذَا الصنع الَّذِي هُوَ مَكَان التَّعَجُّب عِنْد الْبشر، وَفِي صفة الله تَعَالَى الْإِخْبَار عَن الرِّضَا بِفعل أحد هذَيْن وَالْقَبُول للْآخر، ومجازاتهما على صنيعهما الْجنَّة مَعَ اخْتِلَاف أحوالهما، وتباين مقاصدهما، وَمَعْلُوم أَن الضحك يدل على