يضاجعهن، وَمَعَ ذَلِك لَا يجب عَلَيْهِ من غسل الْكِتَابِيَّة إلَاّ مثل مَا يجب عَلَيْهِ من غسل الْمسلمَة، فَدلَّ على أَن الْآدَمِيّ الْحَيّ لَيْسَ ينجس الْعين إِذْ لَا فرق بَين النِّسَاء وَالرِّجَال وَفِي (الْمُدَوَّنَة) على مَا نَقله ابْن التِّين إِن الْمَرِيض إِذا صلى لَا يسْتَند لحائض وَلَا جنب، وَأَجَازَهُ ابْن أَشهب. قَالَ [قعالشيخ أَبُو مُحَمَّد [/ قع: لِأَن ثيابهما لَا تكَاد تسلم من النَّجَاسَة. وَقَالَ غَيره لأجل أعينهما لَا لثيابهما، وَمَا ذَكرْنَاهُ يرد بذلك، فَإِن قلت: على مَا ذكرت من أَن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا يَنْبَغِي أَن يغسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ طَاهِر. قلت: اخْتلف الْعلمَاء من أَصْحَابنَا فِي وجوب غسله. فَقيل: إِنَّمَا وَجب لحَدث يحله باسترخاء المفاصل لَا لنجاسته، فَإِن الْآدَمِيّ لَا ينجس بِالْمَوْتِ كَرَامَة، إِذا لَو نجس لما طهر بِالْغسْلِ كَسَائِر الْحَيَوَانَات وَكَانَ الْوَاجِب الِاقْتِصَار على أَعْضَاء الْوضُوء كَمَا فِي حَال الْحَيَاة. لَكِن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ نفيا للْحَرج فِيمَا يتَكَرَّر كل يَوْم، وَالْحَدَث بِسَبَب الْمَوْت لَا يتَكَرَّر، فَكَانَ كالجنابة لَا يَكْتَفِي فِيهَا بِغسْل الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة، بل يبْقى على الأَصْل، وَهُوَ وجوب غسل الْبدن لعدم الْحَرج، فَكَذَا هَذَا. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب غسله لنجاسته بِالْمَوْتِ لَا بِسَبَب الْحَدث لِأَن للآدمي دَمًا سَائِلًا فيتنجس بِالْمَوْتِ قِيَاسا على غَيره ألَاّ ترى أَنه لَو مَاتَ فِي الْبِئْر نجسها؟ وَلَو حمله الْمُصَلِّي لم تجز صلَاته وَلَو لم يكن نجسا لجازت كَمَا لَو حمل مُحدثا.
الثَّانِي: من الْأَحْكَام فِيهِ اسْتِحْبَاب أحترام أهل الْفضل، وَأَن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم، فَيكون على أكمل الهيئات وَأحسن الصِّفَات، وَقد اسْتحبَّ الْعلمَاء لطَالب الْعلم أَن يحسن حَاله عِنْد مجالسة شَيْخه، فَيكون متطهراً متنظفاً بِإِزَالَة الشعوث الْمَأْمُور بإزالتها، نَحْو: قصّ الشَّارِب، وقلم الْأَظْفَار، وَإِزَالَة الروائح الْمَكْرُوهَة وَغير ذَلِك.
الثَّالِث: فِيهِ من الْآدَاب أَن الْعَالم إِذا رأى من تَابعه أمرا يخَاف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف الصَّوَاب، سَأَلَهُ عَنهُ وَقَالَ لَهُ صَوَابه وَبَين لَهُ حكمه.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الِاغْتِسَال عَن أول وَقت وُجُوبه، وَالْوَاجِب أَن لَا يُؤَخِّرهُ إِلَى أَن يفوتهُ وَقت صَلَاة.
الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز انصراف الْجنب فِي حَوَائِجه قبل الِاغْتِسَال، مَا لم يفته وَقت الصَّلَاة.
السَّادِس: فِيهِ أَن النَّجَاسَة إِذا لم تكن عينا فِي الْأَجْسَام لَا تضرها فَإِن الْمُؤمن طَاهِر الْأَعْضَاء، فَإِن من شَأْنه الْمُحَافظَة على الطَّهَارَة والنظافة.
السَّابِع: فِيهِ ائتلاف قُلُوب الْمُؤمنِينَ، ومواساة الْفُقَرَاء والتواضع لله، وَاتِّبَاع أَمر الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ جلّ ذكره. {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} (سُورَة) . وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: اسْتِحْبَاب اسْتِئْذَان التَّابِع للمتبوع إِذا أَرَادَ أَن يُفَارِقهُ. قلت: هَذَا بعيد لِأَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يفهم مِنْهُ ذَلِك لَا من عِبَارَته وَلَا من إِشَارَته وَلَا فِيهِ التَّابِع والتبوع لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن فِي تِلْكَ الْحَالة تَابعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَشْيه بل إِنَّمَا لقِيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض طرق الْمَدِينَة، كَمَا هُوَ نَص الحَدِيث. وَقَالَ أَيْضا وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْن حبَان الرَّد على من زعم أَن الْجنب إِذا وَقع فِي الْبِئْر فَنوى الِاغْتِسَال أَن مَاء الْبِئْر ينجس. قلت: هَذَا الرَّد مَرْدُود حِينَئِذٍ، لِأَن الحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ أصلا والْحَدِيث يدل بعبارته أَن الْجنب لَيْسَ بِنَجس فِي ذَاته، وَلم يتَعَرَّض إِلَى طَهَارَة غسالته إِذا نوى الِاغْتِسَال.
٢٨٣ - حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا يَحَيى اقالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا بَكْرٌ عَنْ أبي رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيهُ فِي بَعْضَ طِريقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنَبٌ فانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ فاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جاءَ فقالَ أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ وأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهارَةٍ فقالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ المُؤْمِنِ لَا يَنْجُسُ.
[/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث لإحدى ترجمتي هَذَا الْبَاب ظَاهِرَة وَهِي التَّرْجَمَة الثَّانِيَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان. الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء الطَّوِيل التَّابِعِيّ، مَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي. الرَّابِع: بكر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن عمر بن هِلَال الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. الْخَامِس: أَبَوا رَافع واسْمه، نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء، الصَّائِغ، بالغين الْمُعْجَمَة، الْبَصْرِيّ، تحول إِلَيْهَا من الْمَدِينَة أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي موضِعين: وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون، وَمن أجل لطائفه أَنه مُتَّصِل، وَرَوَاهُ مُسلم مَقْطُوعًا حميد عَن أبي رَافع كَذَا فِي طَرِيق الجلودي، والحافظ الجياني، وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره: حميد عَن بكر عَن أبي رَافع، وَذكر أَبُو مَسْعُود وَخلف أَن مُسلما أخرجه أَيْضا كَذَلِك. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) قد رَأينَا من قَالَه غَيرهمَا فَدلَّ على أَن فِي مُسلم رِوَايَتَيْنِ. قلت: ذكر الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) أَن مُسلما أخرجه بِإِثْبَات بكر.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.
ذكر لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله (فِي بعض طَرِيق) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي. طرق: بِالْجمعِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: (لَقيته فِي بعض طَرِيق من طرق الْمَدِينَة) قَوْله: (فانخنست) فِيهِ رِوَايَات كَثِيرَة. الأولى: (فانخنست) كَمَا فِي الْكتاب بالنُّون ثمَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ثمَّ بالنُّون ثمَّ بِالسِّين الْمُهْملَة، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي وكريمة. وَمَعْنَاهُ تَأَخَّرت وأنقبضت وَرجعت، وَهُوَ لَازم ومتعد، وَمِنْه خنس الشَّيْطَان. الثَّانِيَة: فاختنست، مثل الرِّوَايَة الأولى فِي الْمَعْنى، غير أَن اللَّفْظ فِي الرِّوَايَة الأولى من بَاب الانفعال، وَفِي هَذِه الرِّوَايَة من بَاب الافتعال. الثَّالِثَة: فانبجست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَمَعْنَاهُ اندفعت وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} (سُورَة الْأَعْرَاف: ١٦) أَي: جرت واندفعت، وَهِي رِوَايَة ابْن السكن والأصيلي أَيْضا وَأبي الْوَقْت وَابْن عَسَاكِر أَيْضا. الرَّابِعَة: فانتجست، من النَّجَاسَة من بَاب الافتعال، وَالْمعْنَى: اعتقدت نَفسِي نجسا وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. الْخَامِسَة: فانتجشت، بالشين الْمُعْجَمَة، من النجش، وَهُوَ الْإِسْرَاع. السَّادِسَة: فانبخست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة من النخس، وَهُوَ النَّقْص، فَكَأَنَّهُ ظهر لَهُ نقصانه عَن مماشاته رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ رِوَايَة المتسملي لما اعْتقد فِي نَفسه من النَّجَاسَة. السَّابِعَة: فاحتبست، نحاء مُهْملَة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ سين مُهْملَة، من الاحتباس، وَالْمعْنَى: حبست نَفسِي عَن اللحاق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الثَّامِنَة: (فانسللت) . التَّاسِعَة: (فانسل) ، وَهُوَ رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا. وَقَالَ بعض الشَّارِحين: وَلم يثبت لي من طَرِيق الرِّوَايَة غير مَا تقدم، وَأَرَادَ بِهِ رِوَايَة الْكشميهني وَأبي الْوَقْت وَالْمُسْتَمْلِي، وَنسب بَعْضهَا إِلَى التَّصْحِيف، وَلَا يلْزم من عدم ثُبُوت غير الرِّوَايَات الثَّلَاث عِنْده عدم ثُبُوتهَا عِنْد غَيره، وَلَيْسَ بأدب أَن ينْسب بعض غير مَا وقف عَلَيْهِ إِلَى التَّصْحِيف، لِأَن الْجَاهِل بالشَّيْء لَيْسَ لَهُ أَن يَدعِي عدم علم غَيره بِهِ. قَوْله: (يَا با هُرَيْرَة) بِحَذْف الْهمزَة فِي الْأَب تَخْفِيفًا. قَوْله: (جنب) يُقَال: أجنب الرجل فَهُوَ جنب، وَكَذَلِكَ الإثنان وَالْجمع والمذكر والمؤنث، قَالَ ابْن دُرَيْد، وَهُوَ أَعلَى اللُّغَات، وَقد قَالُوا: جنبان وأجناب، وَلم يَقُولُوا: جنبة، وَفِي (الْمُنْتَهى) رجل جنب وَامْرَأَة جنب وَقوم جنب وجنبو وأجناب، وَفِي (الصِّحَاح) أجنب الرجل وجنب أَيْضا، بِضَم النُّون. وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني عَن الْفراء وقطرب جنب الرجل وجنب بسكر النُّون وَضمّهَا، لُغَتَانِ. وَقَالَ المطرزي: يُقَال: من الْجَنَابَة أجنب الرجل وجنب بِفَتْح النُّون وَكسرهَا، وجنب وتجنب، لَا يُقَال عَن الْعَرَب غَيره وَحكى بَعضهم: جنب بِضَم النُّون، وَلَيْسَ بالمشهور. وَفِي (الِاشْتِقَاق) للرماني: وأجنب الرجل لِأَنَّهُ يجانب الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو مَنْصُور: لِأَنَّهُ نهى عَن أَن يقرب مَوَاضِع الصَّلَاة وَقَالَ الْعُتْبِي: سمي بذلك لمجانبة النَّاس وَبعده مِنْهُم، حَتَّى يغْتَسل. قَوْله: (سُبْحَانَ الله) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي مَعْنَاهُ: سبحتك تَنْزِيها لَك يَا رَبنَا من الْأَوْلَاد والصاحبة والشركاء، أَي: نزهناك من ذَلِك. وَقَالَ الْقَزاز: مَعْنَاهُ: برأت الله تَعَالَى من السوء، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: نُسَبِّح لَك بحَمْدك وَنُصَلِّي لَك، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي (أساس البلاغة) سبحت الله وسبحت لَهُ وَكَثُرت تسبحاته وتسابيحه، وَفِي (المغيث) لأبي الْمَدِينِيّ: سُبْحَانَ الله قَائِم مقَام الْفِعْل أَي: أسبحه، وسبحت أَي: لفظت سُبْحَانَ الله، وَقيل: معنى: سُبْحَانَ الله. أتَسرع إِلَيْهِ وألحقه فِي طَاعَته من قَوْلهم فرس سايح. وَذكر النَّضر بن شُمَيْل أَن مَعْنَاهُ: السرعة إِلَى هَذِه اللُّغَة وَلِأَنَّهُ الْإِنْسَان يبْدَأ فَيَقُول: سُبْحَانَ الله. قَوْله: (لَا ينجس) قَالَ ابْن سَيّده النَّجس وَالنَّجس وَالنَّجس القذر من كل شَيْء، وَرجل نجس، وَالْجمع أنجاس، وَقيل: النَّجس يكون اللواحد والاثنين وَالْجمع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد فَإِذا كسر وَالنُّون جمعُوا وانئوا وَرجل، رِجْس نجس، يَقُولُونَهَا بِالْكَسْرِ لمَكَان رِجْس، فَإِذا أفردوه وَقَالُوا: نجس، وَفِي (الْجَامِع) أَحسب الْمصدر من قَوْلهم: نجس ينجس نجسا، وَاسم النَّجَاسَة. وَذكره ابْن الْقُوطِيَّة وَابْن طريف فِي بَاب: فعل وَفعل، فَقَالَا: نجس الشَّيْء ونجسا نَجَاسَة ضد طهر. وَفِي (الصِّحَاح) نجس الشَّيْء بِالْكَسْرِ ينجس نجسا فَهُوَ نجس ونجس وَفِي (كتاب ابْن عديس) نجس الرجل ونجس نَجَاسَة ونجوسة بِكَسْر الْجِيم وضمهاإذا تقذر.
ذكر إعرابه قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي لَقيته. قَوْله: (فَذَهَبت فاغتسلت) قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا أَي: فِي بعض النّسخ فَذهب فاغتسل. قلت: على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة بهَا يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ الْغَيْبَة بِالنّظرِ إِلَى نقل كَلَام أبي هُرَيْرَة بِالْمَعْنَى، والتكلم بِالنّظرِ إِلَى نَقله بِلَفْظِهِ بِعَيْنِه على سَبِيل الْحِكَايَة عَنهُ. وَأما جَوَاز لَفظه بالغيبة فَمن بَاب التَّجْرِيد، وَهُوَ أَنه جرد من نَفسه شخصا وَأخْبر عَنهُ. قَوْله: (كنت جنبا) أَي: ذَا جَنَابَة. قَوْله: (وَأَنا على غير طَهَارَة) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي أجالسك. (وأجالسك) فِي قُوَّة الْمصدر بِأَن الْمصدر، وَإِنَّمَا فعل أَبُو هُرَيْرَة هَذَا لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ إِذا لَقِي أحدا من أَصْحَابه ماسحه ودعا لَهُ كَمَا ورد فِي النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود. قَالَ: (لَقِيَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا جنب فاهوى إليّ فَقلت: إِنِّي جنب، فَقَالَ: إِن الْمُسلم لَا ينجس) . قَوْله: (سُبْحَانَ الله) ، سُبْحَانَ علم للتسبيح، كعثمان، علم للرجل. وَقَالَ الْفراء مَنْصُوب على الْمصدر كَأَنَّك قلت: سبحت الله تسبيحاً فَجعل: سُبْحَانَ فِي مَوضِع التَّسْبِيح وَالْحَاصِل أَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف لَازم الْحَذف فاستعماله فِي مثل هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ التَّعَجُّب، وَمعنى التَّعَجُّب هُنَا أَنه كَيفَ يخفى مثل هَذَا الظَّاهِر عَلَيْك.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: وَقد عقد الْبَاب لَهُ، أَن الْمُؤمن لَا ينجس وَأَنه طَاهِر سَوَاء كَانَ جنبا أَو مُحدثا حَيا أَو مَيتا، وَكَذَا سؤره وعرقه ولعابه ودمعه وَكَذَا الْكَافِر فِي هَذِه الْأَحْكَام وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ فِي الْمَيِّت أصَحهمَا الطَّهَارَة وَذكر البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) عَن ابْن عَبَّاس تَعْلِيقا. [حم (الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم وَوَصله الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) فَقَالَ: أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم عَن عصمَة. قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُسلم الْمسيب بن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو بكر وَعُثْمَان ابْنا أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: [حم (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم قَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ أصل فِي طَهَارَة الْمُسلم حَيا وَمَيتًا، أما الْحَيّ: فبالإجماع حَتَّى الْجَنِين إِذا ألقته أمه وَعَلِيهِ رُطُوبَة فرجهَا وَأما الْكَافِر فَحكمه كَذَلِك على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن الرجل يَأْتِي أَهله ثمَّ يلبس الثَّوْب فيعرق فِيهِ أنجس ذَلِك؟ فَقَالَت: قد كَانَت الْمَرْأَة تعد خرقَة أَو خرقاً فَإِذا كَانَ ذَلِك مسح بهَا الرجل الْأَذَى عَنهُ، وَلم نر أَن ذَلِك يُنجسهُ، وَفِي لفظ: ثمَّ صليا فِي ثوبهما وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث المتَوَكل ابْن فُضَيْل عَن أم القلوص العامرية عَن عَائِشَة: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرى على الْبدن جَنَابَة، وَلَا على الأَرْض جَنَابَة، وَلَا يجنب الرجل) وَعَن محيي السّنة الْبَغَوِيّ، قَالَ: معنى قَول ابْن عَبَّاس: أَربع لَا يجنبن، الْإِنْسَان، وَالثَّوْب، وَالْمَاء، وَالْأَرْض، يُرِيد: الْإِنْسَان لَا يجنب بمماسة الْجنب، وَلَا الثَّوْب، إِذا لبسه الْجنب، وَلَا الأَرْض إِذا أقضى إِلَيْهَا الْجنب، وَلَا المَاء ينجس إِذا غمس الْجنب يَده فِيهِ.
وَقَالَ [قعابن الْمُنْذر [/ قع: أجمع عوام أهل الْعلم على أَن عرق الْجنب طَاهِر، وَثَبت ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَائِشَة أَنهم قَالُوا ذَلِك، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا أحفظ عَن غَيرهم خلاف قَوْلهمَا. وَقَالَ [قعالقرطبي [/ قع: الْكَافِر نجس عِنْد الشَّافِعِي، وَقَالَ أَبُو بكر ابْن الْمُنْذر: وعرق الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي طَاهِر عِنْدِي، وَقَالَ ابْن حزم الْعرق من الْمُشْركين نجس لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} (سُورَة التَّوْبَة: ٢٨) وَتمسك أَيْضا بِمَفْهُوم حَدِيث الْبَاب، وَادّعى أَن الْكَافِر نجس الْعين وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنهم نجسوا الْأَفْعَال لَا الْأَعْضَاء أَو نجسوا الِاعْتِقَاد، وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَن الله تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب، وَمَعْلُوم أَن عرقهن لَا يسلم مِنْهُ من يضاجعهن، وَمَعَ ذَلِك لَا يجب عَلَيْهِ من غسل الْكِتَابِيَّة إلَاّ مثل مَا يجب عَلَيْهِ من غسل الْمسلمَة، فَدلَّ على أَن الْآدَمِيّ الْحَيّ لَيْسَ ينجس الْعين إِذْ لَا فرق بَين النِّسَاء وَالرِّجَال وَفِي (الْمُدَوَّنَة) على مَا نَقله ابْن التِّين إِن الْمَرِيض إِذا صلى لَا يسْتَند لحائض وَلَا جنب، وَأَجَازَهُ ابْن أَشهب. قَالَ [قعالشيخ أَبُو مُحَمَّد [/ قع: لِأَن ثيابهما لَا تكَاد تسلم من النَّجَاسَة. وَقَالَ غَيره لأجل أعينهما لَا لثيابهما، وَمَا ذَكرْنَاهُ يرد بذلك، فَإِن قلت: على مَا ذكرت من أَن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا يَنْبَغِي أَن يغسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ طَاهِر. قلت: اخْتلف الْعلمَاء من أَصْحَابنَا فِي وجوب غسله. فَقيل: إِنَّمَا وَجب لحَدث يحله باسترخاء المفاصل لَا لنجاسته، فَإِن الْآدَمِيّ لَا ينجس بِالْمَوْتِ كَرَامَة، إِذا لَو نجس لما طهر بِالْغسْلِ كَسَائِر الْحَيَوَانَات وَكَانَ الْوَاجِب الِاقْتِصَار على أَعْضَاء الْوضُوء كَمَا فِي حَال الْحَيَاة. لَكِن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ نفيا للْحَرج فِيمَا يتَكَرَّر كل يَوْم، وَالْحَدَث بِسَبَب الْمَوْت لَا يتَكَرَّر، فَكَانَ كالجنابة لَا يَكْتَفِي فِيهَا بِغسْل الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة، بل يبْقى على الأَصْل، وَهُوَ وجوب غسل الْبدن لعدم الْحَرج، فَكَذَا هَذَا. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب غسله لنجاسته بِالْمَوْتِ لَا بِسَبَب الْحَدث لِأَن للآدمي دَمًا سَائِلًا فيتنجس بِالْمَوْتِ قِيَاسا على غَيره ألَاّ ترى أَنه لَو مَاتَ فِي الْبِئْر نجسها؟ وَلَو حمله الْمُصَلِّي لم تجز صلَاته وَلَو لم يكن نجسا لجازت كَمَا لَو حمل مُحدثا.
الثَّانِي: من الْأَحْكَام فِيهِ اسْتِحْبَاب أحترام أهل الْفضل، وَأَن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم، فَيكون على أكمل الهيئات وَأحسن الصِّفَات، وَقد اسْتحبَّ الْعلمَاء لطَالب الْعلم أَن يحسن حَاله عِنْد مجالسة شَيْخه، فَيكون متطهراً متنظفاً بِإِزَالَة الشعوث الْمَأْمُور بإزالتها، نَحْو: قصّ الشَّارِب، وقلم الْأَظْفَار، وَإِزَالَة الروائح الْمَكْرُوهَة وَغير ذَلِك.
الثَّالِث: فِيهِ من الْآدَاب أَن الْعَالم إِذا رأى من تَابعه أمرا يخَاف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف الصَّوَاب، سَأَلَهُ عَنهُ وَقَالَ لَهُ صَوَابه وَبَين لَهُ حكمه.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الِاغْتِسَال عَن أول وَقت وُجُوبه، وَالْوَاجِب أَن لَا يُؤَخِّرهُ إِلَى أَن يفوتهُ وَقت صَلَاة.
الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز انصراف الْجنب فِي حَوَائِجه قبل الِاغْتِسَال، مَا لم يفته وَقت الصَّلَاة.
السَّادِس: فِيهِ أَن النَّجَاسَة إِذا لم تكن عينا فِي الْأَجْسَام لَا تضرها فَإِن الْمُؤمن طَاهِر الْأَعْضَاء، فَإِن من شَأْنه الْمُحَافظَة على الطَّهَارَة والنظافة.
السَّابِع: فِيهِ ائتلاف قُلُوب الْمُؤمنِينَ، ومواساة الْفُقَرَاء والتواضع لله، وَاتِّبَاع أَمر الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ جلّ ذكره. {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} (سُورَة) . وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: اسْتِحْبَاب اسْتِئْذَان التَّابِع للمتبوع إِذا أَرَادَ أَن يُفَارِقهُ. قلت: هَذَا بعيد لِأَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يفهم مِنْهُ ذَلِك لَا من عِبَارَته وَلَا من إِشَارَته وَلَا فِيهِ التَّابِع والتبوع لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن فِي تِلْكَ الْحَالة تَابعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَشْيه بل إِنَّمَا لقِيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض طرق الْمَدِينَة، كَمَا هُوَ نَص الحَدِيث. وَقَالَ أَيْضا وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْن حبَان الرَّد على من زعم أَن الْجنب إِذا وَقع فِي الْبِئْر فَنوى الِاغْتِسَال أَن مَاء الْبِئْر ينجس. قلت: هَذَا الرَّد مَرْدُود حِينَئِذٍ، لِأَن الحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ أصلا والْحَدِيث يدل بعبارته أَن الْجنب لَيْسَ بِنَجس فِي ذَاته، وَلم يتَعَرَّض إِلَى طَهَارَة غسالته إِذا نوى الِاغْتِسَال.
٢٤ - (بابُ الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ)
بَاب بِالتَّنْوِينِ أَي هَذَا بَاب فِيهِ الْجنب يخرج إِلَى آخِره، يَعْنِي لَهُ أَن يخرج من بَيته وَيَمْشي فِي السُّوق وَغَيره وَهَذَا قَول أَكثر الْفُقَهَاء إلَاّ أَن ابْن أبي شيبَة حكى عَن عَليّ وَعَائِشَة وَابْن عمر وَأَبِيهِ وَشَدَّاد بن أَوْس وَسَعِيد بن الْمسيب وَمُجاهد وَابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ وَمُحَمّد بن عَليّ وَالنَّخَعِيّ، وَزَاد الْبَيْهَقِيّ: سعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن عَمْرو وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالْحسن أَنهم كَانُوا إِذا اجنبوا لَا يخرجُون وَلَا يَأْكُلُون حَتَّى يتوضؤوا فَإِن قلت: لم كَانَ بَاب بِالتَّنْوِينِ وَلم يضفه إِلَى مَا بعده؟ قلت: يجوز ذَلِك وَلَكِن يحْتَاج حِينَئِذٍ أَن يقدر الْجَواب نَحْو أَن يَقُول لَهُ ذَلِك أَو يجوز ذَلِك، وَنَحْوهمَا وَعند الِانْفِصَال لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك. قَوْله: (وَيَمْشي) بِالْوَاو وَعطف على. قَوْله: (يخرج) وَفِي بعض النّسخ: يمشي بِدُونِ: وَاو الْعَطف، فَإِن صحت هَذِه يكون يمشي، فِي مَوضِع النصب على الْحَال الْمقدرَة. قَوْله: (وَغَيره) بِالْجَرِّ عطف على. قَوْله: (فِي السُّوق) وَقَالَ بَعضهم: وَيحْتَمل الرّفْع عطفا على يخرج من جِهَة الْمَعْنى (قلت) فِيهِ لعسف لَا يخفى والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة لِأَن كل مِنْهَا فِي حكم الْجنب نَحْو: يَأْكُل وينام، عطفا على يخرج من جِهَة الْمَعْنى قلت: فِيهِ تعسف لَا يحفى.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا فِي حكم الْجنب.
وَقَالَ عَطَاءٌ يَحْتَجِمُ الجُنُبُ ويُقْلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وإنْ لَمْ يَتَوَضَأْ