للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِحَسب الْمقَام إِلَيْهِمَا جَمِيعًا أَو إِلَى الْمشَار إِلَيْهِ فَقَط. قَوْله: (كَأَنَّهُ سراب يحطم بَعْضهَا بَعْضًا) أَي: بِكَسْر بَعْضهَا بَعْضًا، وَمِنْه سميت النَّار: الحطمة لِأَنَّهَا تحطم كل شَيْء أَي تكسره وَتَأْتِي عَلَيْهِ، والسراب هُوَ الَّذِي ترَاهُ نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء قَوْله: (أَتَاهُم) أَي: ظهر لَهُم، والإتيان مجَاز عَن الظُّهُور. وَقيل: الْإِتْيَان عبارَة عَن رُؤْيَتهمْ إِيَّاه، لِأَن الْعَادة أَن من غَابَ عَن غَيره لَا تمكنه رُؤْيَته إلَاّ بالإتيان، فَعبر بالإيتان هُنَا عَن الرُّؤْيَة مجَازًا وَقيل: فعل من أَفعَال الله تَعَالَى سَمَّاهُ إتيانا وَقيل المُرَاد بالإتيان إتْيَان بعض مَلَائكَته وَقَالَ عِيَاض: هَذَا الْوَجْه أشبه عِنْدِي فِي قَوْله: (فِي أدنى صُورَة) أَي: أقربها. قَالَ الْخطابِيّ: الصُّورَة الصّفة يُقَال: صُورَة هَذَا الْأَمر كَذَا أَي صفته، وَأطلق الصُّورَة على سَبِيل المشاكلة والمجانسة. قَوْله: (من الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا) ، أَي: من الصُّورَة الَّتِي عرفوه فِيهَا، والرؤية بِمَعْنى الْعلم لأَنهم لم يروه قبل ذَلِك، وَمَعْنَاهُ: يتجلى الله لَهُم بِالصّفةِ الَّتِي يعرفونه بهَا لِأَنَّهُ لَا يشبه شَيْئا من مخلوقاته فيعلمون أَنه رَبهم فَيَقُولُونَ: انت رَبنَا. قَوْله: (على أفقر مَا كُنَّا إِلَيْهِم) ، أَي: على أحْوج، يَعْنِي: لم نتبعهم فِي الدُّنْيَا مَعَ الِاحْتِيَاج إِلَيْهِم، فَفِي هَذَا الْيَوْم بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله: (لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا) ، وَفَائِدَة قَوْلهم هَذَا مَعَ أَن يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ يَوْم التَّكْلِيف استلذاذا وافتخارا بِهِ وتذكارا بِسَبَب النِّعْمَة الَّتِي وجدوها.

٩ - (بابٌ: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هاؤُلاءِ شَهِيدا} (النِّسَاء: ٤١)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إِذا جِئْنَا} الْآيَة، أخبر الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة عَن هول يَوْم الْقِيَامَة وَشدَّة أمره وشأنه فَكيف يكون الْأَمر وَالْحَال يَوْم الْقِيَامَة حِين يَجِيء من كل أمة بِشَهِيد يَعْنِي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَكيف يصنع هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة من الْيَهُود وَغَيرهم إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد يشْهد عَلَيْهِم بِمَا فعلوا وَهُوَ نَبِيّهم كَقَوْلِه: {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ} (الْمَائِدَة: ١١٧) المكذبين {شَهِيدا} وَفِي (التَّلْوِيح) وَاخْتلف فِي الْمَعْنى بقوله: هَؤُلَاءِ من هم، فَعِنْدَ الزَّمَخْشَرِيّ: هم المكذبون، وَقَالَ مقَاتل: هم كفار أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي (تَفْسِير ابْن النَّقِيب) هم سَائِر أمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه يشْهد عَلَيْهِم. وَالثَّانِي: أَنه يشْهد لَهُم، فعلى هَذَا يكون على: بِمَعْنى اللَّام، وَقيل: المُرَاد بهم أمة الْكفَّار، وَقيل: أَنهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَقيل: هم كفار قُرَيْش دون غَيرهم، وَفِي الَّذِي يشْهد بِهِ أَقْوَال أَرْبَعَة: الأول: أَنه يشْهد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بلغ أمته، قَالَه ابْن مَسْعُود وَابْن جريج وَالسُّديّ وَمُقَاتِل. الثَّانِي: أَنه يشْهد بإيمَانهمْ، قَالَه أَبُو الْعَالِيَة. الثَّالِث: إِنَّه يشْهد بأعمالهم. قَالَه مُجَاهِد وقادة. الرَّابِع: إِنَّه يشْهد لَهُم وَعَلَيْهِم، قَالَه الزّجاج.

المُخْتال والخَتَالُ وَاحِدٍ

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يحب من كَانَ مختالاً فخورا} والمختال المتكبر: أَي: يتخيل فِي صُورَة من هُوَ أعظم مِنْهُ كبرا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ التياه والجهول الَّذِي يتكبر عَن إكرام أَقَاربه وَأَصْحَابه. قَوْله: (وَأحد) ، يَعْنِي: فِي الْمَعْنى، وَفِيه نظر، لِأَن المختال من الْخُيَلَاء، والختال: بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من الختل وَهُوَ الخديعة فَلَا يُنَاسب معنى الْكبر، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: المختال وَالْخَال وَاحِد وَالْخَال وَاحِد وَالْخَال بِدُونِ التَّاء وَصوب هَذَا جمَاعَة، وَكَذَا فِي كَلَام أبي عُبَيْدَة. (فَإِن قلت) : مَا وَجه التصويب فِيهِ؟ فَكيف هُنَا بِمَعْنى وَاحِد؟ قلت: الْخَال يَأْتِي لمعان كَثِيرَة: (مِنْهَا) : معنى الْكبر لِأَن الْخَال بِمَعْنى الخائل وَهُوَ المتكبر، وَقَالَ بَعضهم: الْخَال يُطلق على معَان كَثِيرَة نظمها بَعضهم فِي قصيدة تبلغ نَحوا من الْعشْرين بَيْتا قلت: كتبت قصيدة فِي مُؤَلَّفِي (رونق الْمجَالِس) تنْسب إِلَى ثَعْلَب تبلغ هَذِه اللَّفْظَة فِيهَا نَحوا من أَرْبَعِينَ.

نَطْمِسَ وُجُوها نُسَوِّيها حَتَّى تَعُودَ كَأفْعَالِهِمْ طَمَسَ الكِتابَ مَحاهُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {من قبل أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>