للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمَازرِيّ: فَإِن قيل: الْمَنْع من بيع الْحَاضِر للبادي سَببه الرِّفْق لأهل الْبَلَد، وَاحْتمل فِيهِ غبن البادي، وَالْمَنْع من التلقي أَن لَا يغبن البادي؟ فَالْجَوَاب: أَن الشَّرْع ينظر فِي مثل هَذِه الْمسَائِل إِلَى مصلحَة النَّاس، والمصلحة تَقْتَضِي أَن ينظر للْجَمَاعَة على الْوَاحِد لَا للْوَاحِد على الْوَاحِد، فَلَمَّا كَانَ البادي إِذا بَاعَ بِنَفسِهِ انْتفع جَمِيع أهل السُّوق واشتروا رخيصا فَانْتَفع بِهِ جَمِيع سكان الْبَلَد نظر الشَّرْع لأهل الْبَلَد على البادي، وَلما كَانَ فِي التلقي إِنَّمَا ينفع المتلقي خَاصَّة، وَهُوَ وَاحِد فِي قبالة وَاحِد، لم يكن فِي إِبَاحَة التلقي مصلحَة، لَا سِيمَا وينضاف إِلَى ذَلِك عِلّة ثَانِيَة: وَهُوَ لُحُوق الضَّرَر بِأَهْل السُّوق فِي انْفِرَاد المتلقي عَنْهُم بالرخص وَقطع الْمَوَارِد عَنْهُم، وهم أَكثر من المتلقي، فَنظر الشَّرْع لَهُم عَلَيْهِ، فَلَا تنَاقض فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، بل هما متفقان فِي الْحِكْمَة والمصلحة.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله هَذَا فِي أعلَى السُّوقِ يُبَيِّنهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ الله

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى حَدِيث جوَيْرِية الْمَذْكُور، وَأَرَادَ بِهِ: أَن التلقي الْمَذْكُور فِيهِ كَانَ إِلَى أَعلَى السُّوق، بيَّنه حَدِيث عبيد الله الْعمريّ الَّذِي يَأْتِي بعده، حَيْثُ قَالَ: كَانُوا يتبايعون الطَّعَام فِي أَعلَى السُّوق، ففهم مِنْهُ أَن التلقي إِلَى خَارج الْبَلَد هُوَ الْمنْهِي لَا غير، وَقَول البُخَارِيّ: هَذَا وَقع عقيب رِوَايَة عبد الله بن عمر فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَوَقع فِي رِوَايَة غَيره عقيب حَدِيث جوَيْرِية.

٧٦١٢ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ عَن عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانُوا يتبَايَعُونَ الطَّعَامَ فِي أعْلَى السُّوقِ فيَبِيعُونَهُ فِي مكَانِهِمْ فنَهَاهُم رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَبِيعُوهُ فِي مكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ. .

هَذَا لبَيَان الْمَوْعُود الَّذِي وعده بقوله؛ بيَّنه حَدِيث عبيد الله الْعمريّ عَن نَافِع الَّذِي روى عَنهُ يحيى الْقطَّان، وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ البُخَارِيّ بذلك الرَّد على من اسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز تلقي الركْبَان، لإِطْلَاق قَول ابْن عمر: كُنَّا نتلقى الركْبَان، وَلَا دلَالَة فِيهِ، لِأَن مَعْنَاهُ: أَنهم كَانُوا يتلقونهم فِي أَعلَى السُّوق، كَمَا فِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع، وَقد صرح مَالك فِي رِوَايَته عَن نَافِع بقوله: وَلَا تلقوا السّلع حَتَّى يهْبط بهَا إِلَى السُّوق، فَدلَّ على أَن التلقي الَّذِي لم ينْه عَنهُ إِنَّمَا هُوَ مَا بلغ السُّوق. انْتهى. قلت: البُخَارِيّ لم يُورد هَذَا الحَدِيث لما ذكره هَذَا الْقَائِل، لِأَنَّهُ صرح بِأَنَّهُ لبَيَان المُرَاد من حَدِيث جوَيْرِية عَن نَافِع، وَلَو أَرَادَ هَذَا الَّذِي ذكره لَكَانَ ترْجم لَهُ، وَوجه بَيَانه هُوَ: أَن التلقي الْمَذْكُور فِي حَدِيث جوَيْرِية كَانَ إِلَى أَعلَى السُّوق، بَينه حَدِيث عبيد الله حَيْثُ قَالَ: كَانُوا يتبايعون الطَّعَام فِي أَعلَى السُّوق، ففهم مِنْهُ أَن التلقي إِلَى خَارج الْبَلَد هُوَ الْمنْهِي عَنهُ لَا غير. قَوْله: (حَتَّى ينقلوه) ، الْغَرَض مِنْهُ: حَتَّى يقبضوه، لِأَن الْعرف فِي قبض الْمَنْقُول أَن ينْقل عَن مَكَانَهُ.

٣٧ - (بابٌ إذَا اشْتَرَطَ شُرُوطا فِي البَيْعِ لَا تَحِلُّ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا اشْترط الشَّخْص فِي البيع شُرُوطًا لَا تحل. قَوْله: (لَا تحل) ، صفة: شُرُوطًا، وَلَيْسَ هُوَ جَوَاب: إِذا، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: لَا يفْسد البيع بذلك.

٨٦١٢ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ جاءَتْنِي بَرِيرَةُ فقَالَتْ كاتَبْتُ أهْلِي عَلى تِسْعٍ أوَاقٍ فِي كُلِّ عامٍ وَقِيَّةٌ فأعِينِينِي فقُلْتُ إنْ أحَبَّ أهْلُكِ أنْ أعُدَّهَا لَهُمْ ويَكُونَ ولَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أهْلِهِا فقَالَتْ لَهُم فأبَوْا عَلَيْهَا فجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جالِسٌ فقالَتْ إنِّي قَدْ عَرَضتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فأبَوْا إلَاّ أنْ يَكُونَ لَهُمْ الوَلَاءُ فسَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرَتْ عائشَةُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ خُذِيهَا واشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاءَ فإنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ فَفَعَلَتْ عائِشَةُ ثمَّ قامَ رسولُ الله

<<  <  ج: ص:  >  >>